اخرج ـ كعادة أهل مهنتي ـ باكراً ، محتسباً ظروف الطريق والمواصلات والزحام والمقدر والمستخبي ـ واللي منعرفوش ـ حاملاً بين يدي حقيبة مملوءة بالهموم والطعون وأحكام القضاء والقدر ، مخلفاً ورائي كل معطيات الأمس ونتائجه .
أركب الميكروباصات عادة والميني باصات غالباً والمترو دائماً والأتوبيسات المكيف منها والمميز والعادي أحياناً والتاكسيات عاجلاً متعجلاً ، وليس ذلك ترفاً مني أو ـ قنعرة ـ وفخراً كاذباً ، ولكن من لسعته الشوربة وجب عليه أن ينفح في سلطانية الزبادي .
أي نعم فالسرقة حدها في الشريعة الإسلامية قطع اليد ، وفي القانون الحبس إن كانت جنحة بسيطة أو السجن إن اتصل بها ظرف مشدد كالإكراه أو أن تكون قد تمت في جنح الليل المظلم ، بل إنها إن كانت كذلك ، فإنها قد تبيح القتل كرد فعل طبيعي شرعي للدفاع عن المال كحالة الدفاع عن النفس أو عن العرض والشرف .
ولك يا سيدي أن تمنح نفسك كل الحيطة والحذر إن كنت من ركاب الأتوبيس الدائمين ، فلن تنجو في إحد المرات من سطو غير شرعي على ممتلكاتك الظاهرة والباطنة ، وإن كنت يا قارئي أنثى حسيبة النسب والأصل ، فلن تفلتي من سطو على ما هو أغلى وأثمن ولن تجديك في هذا الأمر أي حصانة أو مناعة .
ما علينا .. ولأنني هنا لست بصدد الحديث عما سبق ذكره ، لكنه هكذا الحديث دائماً يتبع بعضه بعضه .
المهم يا أخوتي الأعزاء ، ألتقي أثناء ركوبي الميكروباص شخصاً لم ألقه منذ شهور ، فتى وسيماً ، يبلغ من الأعوام بعد العشرين بسنتين ، حاصلاً على مؤهل متوسط ، يلبس لباساً إفرانجياً ـ تي شيرت وبنطال من الجينز ـ ذو لحية ظاهرة ، ونظارة عدساتها مقعرة ، منزوياً في ركن بالكرسي قبل الأخير ، أسلم عليه وأجلس جانبه ، نتسابق كلانا لدفع الأجرة فيدفع للراكب الذي يجلس أمامنا بيده اليمنى ممسكاً يدي بيده اليسرى رافضاً أن أدفع بدلاً عنه .
نتشاطر أطراف الحديث ، بعد السؤال عن الصحة والأحوال ، يسألني عن وجهتي ومكان قصدي فأخبره أنني ذاهب إلى محكمة مصر الجديدة الجزئية ، فيبتسم معرباً عن سعادته أنه سيستقل الترام معي مكملاً مشواره ذاهباً لمقر عمله بشارع هارون بمصر الجديدة .
هذه المرة أسبقه فأسدد نيابة عنه أجرة ركوبه الترام الحلزوني اللولبي ، ويستطرد معي حديثه ليخبرني عن فشله في خطبته ، فاسأله عن السبب ، ليجيبني بأنها تخلت عما كانا قد اتفقا عليه رافضة ارتداء النقاب ، أقول له : طيب مش انت عرفتها من غير نقاب ؟ طيب ليه عايز تفرض عليها ده ، فيجيب : ايوه بس احنا اتفقنا انها تلبسه قبل ما نتجوز ، وقولتلها إنها لو لبسته وفضلت وكملت معاكي يبقى إحنا كده كويسين ، ولو محصلشي نصيب يبقى إنت كده استفدتي بإنك إلتزمتي .
سيطرت علي وهلة من الصمت وعقدت حاجبي في استغراب سائلاً إياه : طيب يا ابني ما هي وافقت وهيه مش عايزة ، وبعدين رجعت في كلامها إيه المشكلة يعني ، هوه النقاب ده هوه اللي هيخليكوا سعدا .
قال لي : يا باشا ما هو انت مش فاهم ، قلت له : مش فاهم ايه بالظبط ، قال لي : مش فاهم إنها لو لبست النقاب ده مش هتعرف تخلعه ، قلت له مازحا ً : ليه ؟ هوه بيتلبس مرة واحدة بس وبيتخيط عليها ؟ تصدق كنت فاكره بسوسته !
رد علي غاضباً : يا باشا النقاب ده لو الواحدة لبسته وبعدين جت قلعته ، يبقى حتحس إنها عريانه قدام الناس ، كأنها مش لابسه حاجه خالص ، ضحكت عجباً واستغرابا وقلت له مستفسراً عن السر ومستفزاً له : ليه ؟ هوه بيلزق في الهدوم اللي تحته ولما الواحدة بتقلعه بيطلع بيها .
زاد غضبه لكنه لم يفقد احترامه لي قائلاً : اسأل الشيوخ اللي تعرف ، هيقلولك كده ، اسالهم وانت تعرف . قلت له : من غير ما أسأل ، انت برده سبتها ليه ؟ النقاب هو السبب الوحيد ، رد علي وقال لي : بص يا باشا هيه قالتلي مش هلبس نقاب أنا هلبس اسدال ، لكن أنا قلتلها لأ ، أصل الإسدال ممكن تقلعه لكن النقاب لأ ، يا باشا أمها زانه في دماغها ، هخليها تنفعها ، أنا هروح عند أخوان طيبين ، وأشوفلي أخت كويسه منقبة ، وأشوفها الرؤية الشرعية ، مهو لازم الواحدة تكون جميلة برده ، مش هاخد على عمايا كده ، وهيه ـ يقصد خطيبته السابقة ـ خلي أمها تنفعها ، إحنا بصراحة كنا بنحب بعض ، بس أنا مينفعنيش تلبس بناطيل ، والوش يا باشا لازم يتغطى ، أيوه لازم يتغطى .
أسرح في خيالاتي مبتعدا بأفكاري عن كلماته الحمقاء ، لكنه يفاجأني قائلا : المحكمة ، يلا انزل يا باشا المحكمة جت .
أنزل من الترام متوجها إلى مكتب شئون الاسرة بمحكمة الأسرة لأحضر مع زوج ملتحي في نزاع شرعي ضد زوجته المنقبة ، أمام خبيرين نفسي وإجتماعي لمعالجة المشكلات الأسرية قبل رفع النزاع إلى المحكمة في حالة عدم التوفيق بين المتاخصمين .
تتوالى الإتهامات على موكلي الزوج ذو اللحية الكثيفة من زوجته المنقبة بأنه لا ينفق عليها وعلى أولادها ، وأنه دائم التعرض لها بالضرب والسب ، وتستمر في إلقاء الإتهامات مؤيدة كلامها بحلف يمين الله على صدق كلامها وأقوالها
يرد الزوج عليها إدعاءاتها حالفاً بالله مشهداً الحاضرين على كذبها .
أتركهم منصرفاً ، رافضاً الجلوس ، تاركا الأمر لله ، فهو الحسب وهو نعم الوكيل .
أركب الميكروباصات عادة والميني باصات غالباً والمترو دائماً والأتوبيسات المكيف منها والمميز والعادي أحياناً والتاكسيات عاجلاً متعجلاً ، وليس ذلك ترفاً مني أو ـ قنعرة ـ وفخراً كاذباً ، ولكن من لسعته الشوربة وجب عليه أن ينفح في سلطانية الزبادي .
أي نعم فالسرقة حدها في الشريعة الإسلامية قطع اليد ، وفي القانون الحبس إن كانت جنحة بسيطة أو السجن إن اتصل بها ظرف مشدد كالإكراه أو أن تكون قد تمت في جنح الليل المظلم ، بل إنها إن كانت كذلك ، فإنها قد تبيح القتل كرد فعل طبيعي شرعي للدفاع عن المال كحالة الدفاع عن النفس أو عن العرض والشرف .
ولك يا سيدي أن تمنح نفسك كل الحيطة والحذر إن كنت من ركاب الأتوبيس الدائمين ، فلن تنجو في إحد المرات من سطو غير شرعي على ممتلكاتك الظاهرة والباطنة ، وإن كنت يا قارئي أنثى حسيبة النسب والأصل ، فلن تفلتي من سطو على ما هو أغلى وأثمن ولن تجديك في هذا الأمر أي حصانة أو مناعة .
ما علينا .. ولأنني هنا لست بصدد الحديث عما سبق ذكره ، لكنه هكذا الحديث دائماً يتبع بعضه بعضه .
المهم يا أخوتي الأعزاء ، ألتقي أثناء ركوبي الميكروباص شخصاً لم ألقه منذ شهور ، فتى وسيماً ، يبلغ من الأعوام بعد العشرين بسنتين ، حاصلاً على مؤهل متوسط ، يلبس لباساً إفرانجياً ـ تي شيرت وبنطال من الجينز ـ ذو لحية ظاهرة ، ونظارة عدساتها مقعرة ، منزوياً في ركن بالكرسي قبل الأخير ، أسلم عليه وأجلس جانبه ، نتسابق كلانا لدفع الأجرة فيدفع للراكب الذي يجلس أمامنا بيده اليمنى ممسكاً يدي بيده اليسرى رافضاً أن أدفع بدلاً عنه .
نتشاطر أطراف الحديث ، بعد السؤال عن الصحة والأحوال ، يسألني عن وجهتي ومكان قصدي فأخبره أنني ذاهب إلى محكمة مصر الجديدة الجزئية ، فيبتسم معرباً عن سعادته أنه سيستقل الترام معي مكملاً مشواره ذاهباً لمقر عمله بشارع هارون بمصر الجديدة .
هذه المرة أسبقه فأسدد نيابة عنه أجرة ركوبه الترام الحلزوني اللولبي ، ويستطرد معي حديثه ليخبرني عن فشله في خطبته ، فاسأله عن السبب ، ليجيبني بأنها تخلت عما كانا قد اتفقا عليه رافضة ارتداء النقاب ، أقول له : طيب مش انت عرفتها من غير نقاب ؟ طيب ليه عايز تفرض عليها ده ، فيجيب : ايوه بس احنا اتفقنا انها تلبسه قبل ما نتجوز ، وقولتلها إنها لو لبسته وفضلت وكملت معاكي يبقى إحنا كده كويسين ، ولو محصلشي نصيب يبقى إنت كده استفدتي بإنك إلتزمتي .
سيطرت علي وهلة من الصمت وعقدت حاجبي في استغراب سائلاً إياه : طيب يا ابني ما هي وافقت وهيه مش عايزة ، وبعدين رجعت في كلامها إيه المشكلة يعني ، هوه النقاب ده هوه اللي هيخليكوا سعدا .
قال لي : يا باشا ما هو انت مش فاهم ، قلت له : مش فاهم ايه بالظبط ، قال لي : مش فاهم إنها لو لبست النقاب ده مش هتعرف تخلعه ، قلت له مازحا ً : ليه ؟ هوه بيتلبس مرة واحدة بس وبيتخيط عليها ؟ تصدق كنت فاكره بسوسته !
رد علي غاضباً : يا باشا النقاب ده لو الواحدة لبسته وبعدين جت قلعته ، يبقى حتحس إنها عريانه قدام الناس ، كأنها مش لابسه حاجه خالص ، ضحكت عجباً واستغرابا وقلت له مستفسراً عن السر ومستفزاً له : ليه ؟ هوه بيلزق في الهدوم اللي تحته ولما الواحدة بتقلعه بيطلع بيها .
زاد غضبه لكنه لم يفقد احترامه لي قائلاً : اسأل الشيوخ اللي تعرف ، هيقلولك كده ، اسالهم وانت تعرف . قلت له : من غير ما أسأل ، انت برده سبتها ليه ؟ النقاب هو السبب الوحيد ، رد علي وقال لي : بص يا باشا هيه قالتلي مش هلبس نقاب أنا هلبس اسدال ، لكن أنا قلتلها لأ ، أصل الإسدال ممكن تقلعه لكن النقاب لأ ، يا باشا أمها زانه في دماغها ، هخليها تنفعها ، أنا هروح عند أخوان طيبين ، وأشوفلي أخت كويسه منقبة ، وأشوفها الرؤية الشرعية ، مهو لازم الواحدة تكون جميلة برده ، مش هاخد على عمايا كده ، وهيه ـ يقصد خطيبته السابقة ـ خلي أمها تنفعها ، إحنا بصراحة كنا بنحب بعض ، بس أنا مينفعنيش تلبس بناطيل ، والوش يا باشا لازم يتغطى ، أيوه لازم يتغطى .
أسرح في خيالاتي مبتعدا بأفكاري عن كلماته الحمقاء ، لكنه يفاجأني قائلا : المحكمة ، يلا انزل يا باشا المحكمة جت .
أنزل من الترام متوجها إلى مكتب شئون الاسرة بمحكمة الأسرة لأحضر مع زوج ملتحي في نزاع شرعي ضد زوجته المنقبة ، أمام خبيرين نفسي وإجتماعي لمعالجة المشكلات الأسرية قبل رفع النزاع إلى المحكمة في حالة عدم التوفيق بين المتاخصمين .
تتوالى الإتهامات على موكلي الزوج ذو اللحية الكثيفة من زوجته المنقبة بأنه لا ينفق عليها وعلى أولادها ، وأنه دائم التعرض لها بالضرب والسب ، وتستمر في إلقاء الإتهامات مؤيدة كلامها بحلف يمين الله على صدق كلامها وأقوالها
يرد الزوج عليها إدعاءاتها حالفاً بالله مشهداً الحاضرين على كذبها .
أتركهم منصرفاً ، رافضاً الجلوس ، تاركا الأمر لله ، فهو الحسب وهو نعم الوكيل .