‏إظهار الرسائل ذات التسميات حكاياتي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حكاياتي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

طعم الياسمين


ياسين مني ..
من ترائب مهجتي،
والصُلب حرره كماء من معين
على مشارف لهفتي
لحظة القرب الثمين
وكتبت عبر ملامحي
بيمين روحي
قصة الشوق الطويل

سطرت طفلا حالما
كفراشة تغزو جبين الورد
حين يغريها أريج الفل،
طعم الياسمين

يا طفل أفكاري
وصوت عقل جوانحي
إني أحبك مثل حب الأرض للجذر الذي
شق السبيل إلى رحيم مستكين

إني أحبك يا وليد مشاعري
يا بهجة القلب الحزين

الأربعاء، 26 مارس 2014

رحلة الشتاء والصيف


في شتاء الخريف
تدخل النساء مساكنهن
تكتفين بالموز والبرتقال 
تسمع حوائط الأسمنت أحاجيهن
عن انتظار الربيع الذي لم يأت 
وتبكي خجلا من ذكرياتهن
تغسل النسوة معاطفهن النظيفة
من أثر الرجال 
لكنه يبقى هناك 
داخل إحدى المعاطف
وجه بلا أي رسم
وجه مسيح
***


الصورة مقتبسة من هذا الرابط

***
في صيف الربيع
تنشر النساء أحاجيهن
على حبال التواصل
تغردن معا
في رثاء الموز والبرتقال
يرددن معا أغنية للشرود
فلا حيرة بلا ظل نزوة
ولا فرحة بلا طعم نشوة
ويبقى الجليد الذي في الشوارب
طعاما لخمر الكؤوس الدفيء
وتبقى النفوس التي في المجالس
تحاكي تماثيل بابل
وأشعار عشتار
وليلى التي أهدرت دم قيس

الخميس، 30 يناير 2014

مركب للشمس والحب

أعدك يا حبيبتي:

برفقة نستبق الخيال فيها،

سنحدث بعض الإنفجارات في السماء الراكدة،

سنلعب لعبة الضوضاء، 

لنُسمع السحاب بعضاً من تفاهتنا،

سنهجر الموطن الأصلي لقلبي،

 ونتركه في مهب الريح،

سنجدف بالحلم في مغامرتنا على متن مركب الشمس،

 لنحتل أولى كويكبات الحب التي تقابلنا،


أعدك يا حبيبتي:

بصورة تذكارية لكل لحظاتنا مجمعة،

لن يدرك فيها الأخرون الفرق بين الحق والسراب

صورة مقتبسة من هذا الرابط 

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

السعادة أن تفقد الرغبة

" كل الألوان اللي عندي للأسف باظت .. بقالي كتير مرسمتش ، طيب أعمل ايه دلوقتي أجيب ألوان منين ؟ الساعة 3 بالليل!!" 

تتقلب في سريرها من أرق عاصف خلع عنها سترة النوم ، وبدد ليلها وأحاله إلى نهار كاشف ، لكن لا أحد غيرها في هذا البيت قد حصل على هذه الجرعة المفروضة من أرق الليلة الطويلة . قد تعودت أن تشغل نفسها بالرسم إن وضعتها الظروف في مثل ما هي فيه الأن ، لكنها من زمن لم تشهد سخونة فراش مقلقة كما عاشتها الليلة . ألوانها الزيتية قد فسد معظمها بسبب الإهمال ، وأصابها الهواء فغير حالتها السائلة .

"كل كلامي معاه كان في الهوا الطاير .. لا بيحس ولا بيرحم"

نسيت أنها تلبس قميص نومها الأبيض وقامت من فراشها متململة لتفتح نافذة حجرتها المطلة على شارع ضيق كئيب لا يتجاوز عرضه 6 أمتار علها تلتمس بعض هواء الليل لكن ما لبثت أن وجدت من يتلصص على جسمها من بلكونة الشقة المقابلة بعدما ألقى عبارات تحرشه على أنثى كانت تعبر الشارع، فأحست كأن الدنيا تحاصرها لتحبسها داخل جدران حجرتها، أغلقت دفتي النافذة واستكانت مرة أخرى في موضع نومها.

الصورة مقتبسة من هذا الرابط

"أنا هلاقيها منين ولا منين .. من أهلي اللي مش سألين فيا، ولا من حبيبي اللي مش بيحبني ، ولا من ولاد الكلب اللي مبيرحموش أي حتة لحمة ماشية في الشارع"

أحست في أنها تحتاج للبكاء لكن قلبها لم يشجعها على ارتكاب هذا الخطأ، ولم تدري لما اعتبرته خطأ.. أهو لأنه إحساس بالضعف أم لأنه إحساس بالوحدة لا يجوز في زمن لا يساند إلا من بيده الوجع والقوة والألم.
كل يوم كانت تخلع عواطف جديدة وتطبقها فوق بعضعها لتضعها في رف الدولاب المفتوح دائما لكل الزائرين، هذا هو فستان يوم الخطوبة التي لم تتم، اشترته وأضافت عليه زينته بيديها، قطعت عشر ليال كاملة كي ترصعه بالخرز الملون. لكن فارس بني خيبان لم يأت ساعتها، كل الأعذار التي أبداها لم تكن كافية لتسامحه، حتى وإن أبدى لها موته كعذر إضافي.

"وانت تموت ليه دلوقتي .. طيب أخطبني وبعدها موت في أي يوم تاني .. يعني ايه العربية اللي كنت جاي بيها تتقلب على الدائري .. هو ده كلام منطقي ؟"

هكذا حدثت بغضب صورته التي لديها في صندوق ذكرياتها الذي يقبع في ركن من أركان حجرتها الضيقة، كانت تتصور أن وجهه الذي بالصورة سيحترق خجلا منها، لكن دون جدوى .. هو كما هو "لا بيحس ولا بيرحم".

الثلاثاء، 7 مايو 2013

مشاهد خارج النص


الصورة مقتبسة من هذا الرابط 
مشهد نهاري خارجي:
الظل الذي يملأ عيني بنور عيني، والظل نور يقر عيني، والدواء المسترجى منه يبقى بعيني.
فأنا والظل واحد .. لا أحد يشاركنا أو يقاطع علينا إندماجنا، أخباره أخباري، وحكاياته مني وإليّ.
***
حوار اعتراضي:
هي : حساباتنا مختلفة؟
أنا : يمكن.
***
مشهد ليلي داخلي:
تستدعيني أن أجلس بجانبها، وأتودد أكثر .. تدعيني أن أقترب أكثر .. لكنها لم تصبح ظلي ولا أنا أظلها.
تلمح لذكرياتنا .. فأشرح تفصيلاتنا .. ونستنكر بعدنا فنبعد عن بعضنا أكثر.
لا تراني حيث أرها .. ولا أراني حيث تجدني.
***
حوار مستقطع:
هي : إنت فين؟
أنا: مش هنا.
***
مشهد خيالي:
كل الايام انقضت ولم نصل إلى نهاية. كل الساعات تبعثرت لحظة دوران عقاربها. ما زلنا نعتصم بأخر لوح من سفينة صداقتنا. ما حولنا ليس بحرا إنما سماء محملة بالغيوم والرعد.
***
حوار أخير:
هي: إنت مين؟
أنا : مجرد ذكريات.


الجمعة، 26 نوفمبر 2010

زوال

بالأمس كنت حاضرا لقاء المغامير الأسبوعي بنقابة الفنون التشكيلية .. وارتجلنا جميعا ، فكان اللقاء جميلا بحضور البشر الرائعين وإليكم إرتجالتي التي عنونتها بـ : (( زوال )) ، علما بإن مثير الإرتجالة كان : (( الشمس )) . بالفعل كانت أمسية سعيدة ، لي أنا شخصيا على الأقل .
-----------------------------------

روحك التي تسربت مني أثناء غروب صورتك أمامي وأنت تركب البحر مغادرا بلادك للأبد ، رسالتك التي انتظرت توهج حروفها طويلا بين يدي ـ لم يعد يجدي نفعا تلقيها بعد كل هذه الأيام البائسة ، الظلام قد حل بعيوني ، وأنا الأن معتمة .

كنت أُمنّي نفسي وإياك أنك ستكون ظهرا وسندا ، لكنها الحيلة العاجزة والزمن الجارح ، أبعدك وأبعدنا ، وطرح على بعدنا مسيرة من وجع وكرب .

(( ماما ، أرجوكي متبكيش ، لأني مش هرجع عن قراري بالسفر ، الدنيا بقت ضيقة وبقينا عايشين في شوارع مليانة بلاعات مفتوحة ، كل يوم يسقط واحد مننا ، وأنا مش هستنى لما أغطس تحت الأرض )) .

كنتَ قاسيا وشاحبا ومكسورا ، كنت مصدرا يشع العتمة واليأس والإحباط .

لم أر فيك ابني الذي أحلم به ، ولم أر لي ظلا من ساعتها للآن .

غَرُب وجهك عني من لحظتها ليشرق على أرض أخرى وبشر آخرين ، أحسدهم وأشكو إليهم ضعفي ، فما أقسى الغروب حين يسحب معه الدفء والضوء ويجلب بديلا الموت والذكريات المؤلمة .

لم تكن أنت الوحيد الذي غَرَبْتَ بل غَرُبَتْ روح أبيك بعد قليل من سفرك ، وبقيت أنا وحيدة في منتصف السلم ، لم أصعد لأكتمل ، ولم أنزل لأشارك الأموات حياتهم الخالدة .

قلت لك حينما كنت تصعد سلم البحر ، ليس بك رجاءً ولم يعد لي أمل ، للأسف لم يعد لي أمل .

-----------

الصورة ليست من تصويري ، منقولة من هذا الرابط

الخميس، 30 سبتمبر 2010

الرسالة

تخيل أنك تنظر إليّ، تخيل اضطرابي ولجلجتي وإنفعالي توترا حين لقياك، تخيلني وأنا أركض خلفك ويدك اليمنى تشدني بقوة على طريق الكورنيش الذي إنشئ للعاشقين أمثالنا ، تخيلني وأنا أتنهد أمامك من التعب ومن اللهفة عليك حينما تركتني لتطارد بعض الصبيان الذين تهكموا علينا ونحن سائرين في إحدى الشوارع الجانبية المظلمة .
هل تخيلت ؟ أم تحتاج بعضا من حكاياتي المسائية التي كنت أقصها عليك لكي تجذب النوم إلى شطوط عينيك السمراء؟ وهل تذكرت صباحنا ونحن راقدين كل منا في سريره لكي ينعش الأخر بما تناوله مؤخرا من أحلام الليل الهادئة ؟
أقسم لك أني كنت أراك كل ليلة في منامي وكنت دائما أتخيل صورتك بجواري كي أنام. وأعرف يقينا أن نهارك دائما ما تمتلأ سويعاته برائحتي وصوتي وتراتيل أغنياتي التي نعشقها معا وندندنها معا .
حبنا هذا الذي كان قاب قوسين او ادنى من الفشل لا يقهر أبدا ، فكلما تطوعت أنت في هدم جزء منه تكاثر ليبني في قلوبنا أجزاء واجزاء وأجزاء ، رفة الأعين بيننا بعشق ملايين أخرين ، وتنهداتنا بحب مشغولين هائمين ، فليس كل محب شغوف ولا كل عاشق متيم ملهوف .
اتسمع دقات قلبي ؟ لكم وددت أن أتسمع دقات قلبك وأنا واضعة رأسي على جانبك الأيسر ، ولكم تجاوزت حدودي معك ، لكني أعرف أنه ليس بين المحبين حدود وفواصل .
سمرتك ونظارتك طريقتك وأنت تأكل قطعة الشوكلاته تبعث في نفسي لهيب الشوق إليك، وترسل إشارات وعلامات ليس بينها حُجُب بأنك من تمنيت لتكون حبيبي فكنت، أعرفك منذ بدايتي رغم عدم لقائنا ، كنت تأتي إلي طيفا وروحا برية لتلملم حزني وألامي التي ضايقتني كثيرا.
كنت أعرف لونك واسمك حتى قميصك الأبيض كان معلوما لدي.. ألم أقل لك بأني كنت اعرف عنك كل شيء ، صدقني .. فالمحبون يرون بعين الروح ويطالعون مستقبلهم في صفحات نومهم .
هذه أولى رسائلي إليك ، بعد لقائنا الأول ، أرجو أن تردها علي بما يشبع نفسي ويسكت لهفتي ، يا ظلي الذي تركته في البلاد البعيدة أنا روحك التي تنتظر جسدها لتعيش بين مفردات الحياة .. فلا تتأخر عليّ .
حبيبتك (وفاء)ـ


الاثنين، 27 سبتمبر 2010

لحظات استمتاع

  1. جزئين التصقا على فراش وثير ناعم شبه مستطيل ، بعد المسافات الذي كان يغلفهما زادهما شوقا لارتعاشات لطيفة محببة ، ودا لو يجتمعا إلى أخر الدهر وأبد الأبدين .

    لون محبتهما الزيتي السائل كقطعة شوكلاته التي ساحت بفعل الحرارة يوهجهما ، ويضيئ عينيهما إضاءات وقورة لامعة ، يشم خلالها كل منهما أحضان بعضهما لحظة الضم والافتراق .

    _ (( أه .. كم من ليل تركته يمضي يا حبيبتي دون أن يخبرني مدى جنونك بي ، وكم من نهار تركني دون أن يطلعني على صورتك ، أو يرسل إلي صوتك المتقطع الهائج .

    أراك كما تشائين وكما يحلو ليه يا زاهرة .. تدللي علي قليلا ، بل كثيرا ، وانزعي مني إرادتي رغما عني )) .

    حبات اللؤلؤ التي بين شفتيها يود لو يقطفها بلسانه ، يحاول مرة أخرى فتصده ممتنعة مما يزيده رغبة وولعا ، يدغدغ أنفها بأنفه ، يدير مفتاحها فتسري كهرباء الوصال لتنتج هزات رقيقات ، (( وما أمتعها من هزات )) .

    _(( لملم ما شئت مني ، فلن تفلت ، فأنا الآن فريستك ، وأنت اصطيادي ، مرت الأوقات التي ضيعناها معا ترفا وتمنعا ، أما الآن فلا مفر منك ، ولا ملجأ مني )) هكذا يسمعها أو يتخيلها تقول .

    تحرك عنقها ليسقط بن يديه ، وتغمض عينيها وعلى وجهها ابتسامة الاستمتاع ، ليسافرا ضد تيار الريح معا ، يضغط على كتفيها بكفيه ليعلو درجات سلمها ، لافحا وجهها بأنفاسه الساخنة .

    يرى في عيونها أبار مياه الحياة فيبحث داخلها عن الارتواء ، ويسبح .. يسبح كي يهتدي إلى شطوطها ، ويتقلب كما لو أنه سقط على جمر من نار ، ويضيف على تقلبه أهات لا تعرف مصدرها .. أهو يتوجع أم يمارس طقوس استمتاعه المكتوم .

    كل لفتة منها تدله على الكثير ، وكل حركة منه من أجلها ولأجله فقط ، لا يردعه انحناءات الطريق ولا وعورته ، فهو كاشف له قديم .

    وعلى الرغم من سرعتها وثورتها تحته إلا أنها تظل تحت إمرته ، بل همها الشاغل أن يكون من اعتلاها على مقربة دائما لكي يحيطها الدفء والأمان ولكي تسري فيها الروح ، مكتوب عليها ألا تمارس حياتها إلا بين يدي حبيبها ، فكل لحظة شوق تمر عليها بعيدا تكون هي في غمار صمت راهب رهيب .

    ـ (( يا عشقي الأول والأخير .. أعدك ألا أهملك ثانية ، ها قد مضى ثلاثون يوما ونحن بعيدين عن بعضنا ، عرفت منك أنك لم تكوني سعيدة أبدا في هذه الأيام الماضية .

    دراجتي البخارية .. لقد مضت فترة الصيانة والإصلاح .. ونحن الآن في أحضان الريح والطريق .. فاستمتعي بي )) .

الأربعاء، 12 مايو 2010

موال الفراق والحزن

  • ـ جدي لأبي :

  • لا أتذكر منه غير أنه كان نورا ، كان سكينة ورحمة ، كنت أحبه كثيرا جدا ، أكثر من علقت روحي معه في غير وجوده ، رحل عنا وأنا في سن صغيرة ، لكنني كنت أراه دائما بداخلي ، وارتبطت به إرتباط الفرع بالأصل .
  • أصحو مبكرا لأذهب للمدرسة ، لم أبلغ الخامسة بعد من عمري ، أغسل وجهي وأرتدي ملابسي ، ألتقط حقيبتي الحمراء الصغيرة وأتوجه على الفور لغرفته ، ألقي عليه تحية الصباح فيعطيني خمسة قروش ـ شلن ـ ، يا لفرحة قلبي .. (( معايا شلن ، هعمل كل اللي نفسي فيه )) أقبل يده البيضاء ، وأحتضنه .. وأجري منطلقا كعصفور يتعلم مبادئ الطيران .
  • يدخل عمي الأصغر من بوابة البيت الحديدية حاملا حقيبة سفره ، وأنا أقف وسط أناس كثيرين لا أدرك أسمائهم ولا أشكالهم ، يرتمي هو في أول حضن يقابله ، يبكي وبحرقة ، أسمع جيدا نحيبه فأبكي لأني أحب عمي ، أسمع الأصوات التي تدل على الفقد والضياع ، يسكت أبي كل الأصوات يزجر كل من جاء بصوت من النار ، أين جدي؟! أين الخمسة قروش ؟ أين أنا ؟!ـ
  • بعد عشرين عاما فوق الخمسة التي مضت .. أفتح جهاز الكومبيوتر وأضع اسطوانة ميديا وأشغل الملف الموجود بها على برنامج ميديا بلاير ، أرى جدي يتوسط الناس الذين يشكلون جمعا غفيرا .. تظهر الصورة وهم يتزاحمون عليه .. يحاولون التقرب منه .. يتلمسون أطراف حديثه العذب .. وبسمته المؤمنة بأن الحياة روح جميلة وقلب مطمئن .
  • يسأله احد تلاميذه : (( عمي . أخبرنا عن الحلال والحرام ))، يرد عليه بعد سكوت واثق : (( الحلال بين والحرام بين )).ـ
  • يخبرني أبي أن شجرة التوت التي قطعناها اليوم لتوغل جذورها تحت أرض البيت ، كانت نبتة من زرع يد جدي ، رأيتها وهي تبكي ، رأيت هذه الشجرة وهم يزيلون أثارها .. وهي الأن تبكي !!ـ


  • ـ جدي لأمي :

  • بُعد موطن إقامتنا عن محل إقامة أسرة أمي كان سببا رئيسيا في عدم الأرتباط بالأحداث التي كانت تقع بعيدا عنا هناك ، إلا أن الصلة التي حافظت على وجودها أمي وساعدها في ذلك أبي كانت لها السبب في وجود وصلات شعورية تغني في ظل بُعد المسافات.
  • نذهب لنتحسس بعض الروائح ذات الصلة ، والعواطف التي لن يقدمها أخر غير من لهم المكان والمكانة هناك .ـ
  • كان جدي رجل تجارة ماهر بذل أمواله من أجل تعليم أمي وإخوتها ، احتفظ أمامي بشكل واحد لا يتغير ، معالم ثابتة التشكيل ، وجه مرسوم بدقة النحاتين ، نظارته العريضة التي يحافظ على وجودها أمام عينية .
  • أدخل أنا وأخوتي حانوته الضيق ، أتقدم للسلام عليه مقبلا يديه فيبتسم ابتسامة المحب ، لكن ما تلبث قسماته في الرجوع لشكلها الأصلي الذي ليس جديدا علي .
  • نتجمع كلنا أمام التلفاز نحكي ونستمتع ، نلقي النكات ، نتبادل التعليق على أحداث الكون التليفزيوني الظاهر عبر برامجه ومسلسلاته ، يمر جدي بسرعة أمامنا ، وبحركة أسرع يفصل الكهرباء عن التلفاز ، ثم يكمل مروره حيثما أراد .
  • أثور وأخوتي غاضبين ، فتقوم أمي لتعيد للتلفاز صوته وصورته التي إنقطع استرسالهما منذ لحظات ، تمر الدقائق السريعة ، ويمر جدي من جديد عائدا أمام التلفاز ليكرر فعلته القديمة ، هذه المرة لا تحدث ثورة ولا غضب .. أقوم أنا في غمرة الضحك الهيستيري لأعيد توصيل الكهرباء مجددا ، رغم أننا لم نكن في حاجة أبدا لمشاهدة التلفاز .
  • نفس المشهد المكرر ، الوقوف في لحظة الوداع والبكاء ، رسمة الحزن الطوافة على جميع الوجوه ، التعازي الحارة التي لا تسمن أو تغني من جوع ، الكراسي المتراصة جنبا إلا جنب ، القارئ الشيخ ، الميكروفونات والسماعات الكبيرة ، طابور المعزين ، تكل يدي من كثرة السلام والتصافح ، لم يكن يهمني ساعتها غير النجاح في إمتحاناتي المدرسية .


  • ـ جدي ( عم أبي ) :

  • حسن ـ وهو فعلا حسن ، كل زياراته القليلة التي جاء فيها لبيتنا كنت حريصا على وجودي أثنائها .
  • توقظني أمي مبكرا ، تأمرني أن أذهب لبيت جدي فلان لأحضر اللبن كي تعد فطور جدي فهو ضيفنا جاء من مصر السفلى ، أذهب دون لكاعة ، أركب دراجتي سعيدا ، أحمل بيدي اليمنى ( شفشق اللبن ) ، ماسكا بيدي الأخرى مقبض الدراجة ، يد فرامل الدراجة من الناحية اليمنى لكنني لأ أستطيع مهما حاولت أن احمل هذا ( الشفشق الممتلئ باللبن ) بيسراي ، هي أضعف من ذلك بكثير .
  • أتوكل على الله .. أسير في طريق العودة للمنزل ، أسير بهدوء .. قطعت هكذا نصف المسافة ، لم يتبق غير بعض الامتار ، بضع لفات صغيرات من عجلات دراجتي ، تبديلتين وأتركها بعدها تسير وحدها ، دراجتي تعرف جيدا طريقها .
  • هذه أول تبديلة بقدمي ، وهذه الأخيرة . يفاجأني مطب على جسر الطريق بالقرب من بيتنا ، كنت أنا من شرعت في إعداده البارحة وتركت أصدقائي ليكملوه .
  • ترتفع الدراجة لأعلى ، يرتفع معها جسدي ، ترتفع يدي أكثر وأكثر ، (شفشق اللبن ) يتجه بيدي ناحية الغرب ، عجلة الدراجة الأمامية تتجه للشرق عن تعمد ، وأنا أنكب على وجهي في المنتصف (( لا حصلت شرق ولا غرب )) .. (( يا سلام طعم التراب باللبن أكيد هيكون فظيع )) قالها رجل رأني وأنا أرقص رقصتي الأخيرة .
  • يرقد جدي الأن على فراشه الأبيض بمستشفى كائنة على كورنيش النيل ، يلتف حوله ملائكة الطب ، لا أعرف كيف يكون ملاكا من أمسك مشرطا ليذبح ؟! كيف يكون ملاكا من يسفك الدماء بحجة العلاج وطلب الشفاء ؟!
  • (( ورم خبيث )) .. فعلا يالا خبثه .. لم يجد موطنا غير عقله ليكمن فيه ، يقول الطبيب : أن العملية الجراحية التي أجريت من أسابيع قد كتب لها النجاح ، لكننا نسأله : إذا لماذا هذا الإضطراب الذي يعانيه ، يخبرنا الطبيب الملائكي : أنه هو ـ أي جدي ـ لا يريد أن يعيش .
  • يمضي النهار .. ويأتي الليل ، تسقط الشمس غرب النيل بكامل إحمرار خديها ، ويسقط في النيل معها كل الهدوء والسكينة ، أسمع النداءات المتتالية منه ، فلا أستطيع فعل شيء ، (( أحمد )) .. أرد عليه : (( نعم )) .. يسألني : (( فين أخوك )) .. أسأله : (( تقصد عمي أحمد )) .. يجيبني بالموافقة .. (( ؟ )) .
  • يقول لي : (( عايزك تبقى قوي ؟ زيي وأنا صغير ، مكنش فيه حد بيضربني وكنت بضرب كل الناس )) ، أطمئنه أنني سأكون قويا وأنني سأعفو عن كل الناس .
  • (( أقولك نكتة )) يسألني فأوكد له أني مشتاق لسماعها منه .. (( مرة واحد صعيدي جاله ورم في المخ .. ولما عرفوا أهله .. استغربوا .. وقالوا جاله منين المخ ده )) ... لا يضحك .. يسكت .. وأنا بداخلي تموت ثورات البراكين .
  • حينما أراد الله له أن يرقد بجوار أخيه ـ جدي لأبي ـ كان كل الناس التي تعرفه فرحى ، ولم نكن أبدا للحزن معطوفين .


  • ـ جدتي لأمي :

  • (( يابن الصوبية )) تقصد أن تداعبني فتقول لي يا ابن الصبية .. جميلة الخدين والعينين والروح . وعند الكلام عن الروح يكون الحديث للقلوب لا للألسنة .
  • أرى حبها الواضح لأبي .. حتى إنها لتناديني يا ابن ابني بدلا من يا ابن بنتي .. فأنا ابن إبنها مع إنها أم أمي .
  • كل طاقات الحب البريئة والفل والياسمين وطعم اللوز في داخلها ، كل فراشات الأمل تقبع بجوارها ، كل عصافير الجنة تحت طلبها ، لم أعرف لها ضيقا أو تعاسة ، (( ساعات مش بفهم كلامكوا )) تقصدني أنا وأخوتي ، لكنني على علم من أنها تفهم بقلبها ما لا يفهمه ذوو العقول .
  • تأتي كالملكات بين يديها الخير والفرحة ، على الرغم من إعاقتها بشلل نصفي ، إلا أن سعيها إلينا كل فترة كان أسرع من سعي الأصحاء ، أنام إلى جوارها ـ فهي عندما تأتي تحل ضيفة على سريري أنا ـ تحاكيني وتبتسم ، أنام ليلاتي بجوارها ، وفي قلبي أحلام ستتحقق في الصباحات الجميلات الأتية .
  • نفس المنظر المكرر ، البناء الصغير ، قماش الشاش الابيض ، الدعاء ، التعازي الحارة ، الدموع ، البكاء .
  • أما انا فلم أحس بشيء ، من ساعة سماعي الخبر ، وحتى هذا الموقف لم يعترني إحساس .
  • ينصرف الناس ، أنصرف تبعا خلفهم ، أرى خالي الأصغر في حالة ممزقة ، لا يستطيع إمساك نفسه ، يواسيه الناس ، لكن دون جدوى ، فالدمع أهون الأمور حينها .
  • مالي أنا .. أمشي مشية بلهاء .. هل جف قلبي عن الشعور ؟! .. أقف وأستدير عائدا ناحية قبرها .. تمر صورها العالقة بذهني مرتبطة بأحداث معينة .. تمر على ذاكرتي مرور شريط أفلام السينما على ألة العرض السينمائي .
  • تخرج من صدري زفرات صدئة ، شهقات متتالية ، أنزف دموعا عصت على الخروج للفضاء ، أرق رقة الريشة التي لا تعرف مكانها الأخير رغم تعبها من الدوران والطيران في الهواء .
  • هل فعلا سأفقدها للأبد ؟ !


  • ـ جدتي لأبي :

  • لم يكن يعنيني فيها الحنان أو الرقة ، بل كان ما يلفت انتباهي قوة الشخصية ، سمار اللون الترابي الأصيل ، أكتسبت منها الكثير ليس بإرادتي ، ولكن عبر الجينات والكروموسومات الدقيقة التراكيب .
  • في الصغر .. وفي نفس التوقيت الصباحي المعتاد لطفل يبدأ أولى سنواته الدراسية ، وبعد أن أحتفظ في جيبي بالخمسة قروش التي نلتها من جدي ، أجلس بجوارها وهي تضع براد الشاي على الباجور ، بعد أن تنزل البراد الأزرق الذي أعتقد أن لونه كان سببا في حبي للشاي . تأتي بخبز (( البتاو )) وتكسر لي قطعة منه ثم تضعها على النار ، فتتلوى قطعة البتاو لتتخذ شكلا اسطوانيا فريدا ، لتعطيها لي ، فأغمسها داخل كوب الشاي الممتلئ ، ولأعيش لحظات الاستمتاع التي يعيشها الأن مدمني شكولاته (كادبوري) .
  • كيف يتأتى لها في هذه السن كل هذه الهمة والنشاط ؟! إنه يا سيدي الضمير ، الذي نفتقده .
  • لم يكن يعجبها العجب ، لأن الأفعال التي كنت أنت تراها كاملة ، كانت ترى فيها النقصان الواضح ، كان ينبغي عليك بذل مجهود أكثر .
  • وأنا صغير ، وحين تحل ساعة النوم . كنت احب أن أنام في حجرها ، لتمرر يدها الخشنة على ظهري من تحت ملابسي ، ولتغطيني بجلبابها الفوقي ، ولتغني لي : (( هوه هوه هوه هوه ... نام يا حبيبي نااام .. وادبحلك جوزين حماااام .. هووووه هوووه )) .
  • لم أرها من أربعة شهور مرت أو تزيد ، لم تنتظرني لأودعها وأقبلها ، لم تنتظر أن أكون بجوارها أو خلفها وهي راحلة ، كانت تعرف أني سأجيء من بعيد يوم الثلاثاء مساءا .. لكنها كانت قد رحلت في مطلع فجر نفس اليوم ..

قبعة الساحر ـ حَبُ منثور

  • يرى الأمور بعكسها ، يخيل إليه أنه مشوش الذهن ، يجري خلف يمامته ليعطيها بعض الحَب .ـ
  • تتدلل يمامته عليه ، تعرف أنه سيجري وراءها لأنه لا يستطيع أن يستغني عنها ، تزيد في تدللها فتطيـــر عاليا ، وتغيب إلى الأبد عن ناظريه .ـ

  • ((يوم قولت اااااااااااااااه ، سمعونى قالوا: فسد ، ده كان جدع، رديت على اللايمين انا وقولت : اااااااااااااااااااه أه لو تعرفوا معنى زئير الاسد))**

  • ما زال واقفا على سطح بيته ، يشاهد انحناءات الجدران والبشر ، يتمنى عودة يمامته ، يقبض بيده على بعض الحَب ، ينثرها على رؤوس المارين في الشارع تحته ، ويجلس خلف سور السطح ليتخفى عمن استرقوا النظر لإعلى لكي يشاهدوا عبثه .ـ
  • تمتعه اللعبة وتأخذ منه القلق على ضياع طائره .ـ

  • (( لا تجبـر الإنسـان ولا تخـيره يكفيه ما فيه مـن عقـل بيحيـره اللـى النهـارده بيطلبه ويشـتهيه هو اللى بكـره ح يشـتهى يغيره !! ))**

  • ما زال ينثر الحَب فوق الرؤوس ، فوق المشاعر الكئيبة ، فوق جبال الملل . ما زال يرتدي ثوب تفاهته عله يرجع إلى موطنه الأصلي كعصفور من عصافير الجنة .ـ

  • (( خرج ابن آدم من العدم قلت : ياه رجع ابن آدم للعدم قلت : ياه تراب بيحيا ... وحي بيصير تراب الأصل هو الموت و الا الحياه ؟ !!! ))**

  • كانت الطفولة التي تركته راحلة من عشرين عاما مرت عليه ، دهسته ، مزقت فيه براءته واحتياجه للهدوء . موت طفولته الجنين الذي لم يستمتع به ، الأحضان التي يتذكر دفء قلب أصحابها ، القبلات التي لا تحمل أغراضا غير أن توصل له رسالة مهمة : أنه ولد مجرم شقي لا يعرف الحزن .ـ

  • (( علـم اللوع اضخـم كتاب فى الأرض بس اللى يغلـط فيـه يجيبـه الأرض أمـا الصــراحة فأمـرهـا ســاهل لكن لا تجـلب مـال ولا تصون عرض !! ))**

  • ها قد جاء الساحر ونصب طاولته في صحن الميدان الذي يطل عليه الشارع الذي يسكن فيه ، ينزل بسرعة الملهوف على درجات السلم الكبير للبيت ، يركب سور السلم ويتزحلق بخفة الريشة الناعمة في هواء النسيم .ـ
  • يركل في طريقه للميدان كل ما يقابل حذائه من حصى ، وعلب وزجاجات فارغة .ـ
  • يقف منتبها للساحر ، فيطل عليه ساحره مبتسما رافعا له قبعته ، قائلا : (( أطلب واتمنى ، الدنيا معايا هتصبح جنة )) .
  • ينظر إليه وفي وجهه ألف ألف ابتسامة : (( عايز يمامه )).ـ

  • (( يا باب يا مقفول ... إمتي الدخول صبرت ياما و اللي يصبر ينول دقيت سنين ... و الرد يرجع لي : مين ؟ لو كنت عارف مين أنا كنت أقول !!! ))**

  • يخرج الساحر من قبعته بعض الحَب ويضعه في يده ويخبره أن ينادي على يمامته ، عندها يرد عليه بأن دوره تم ويتبقى دوره ليكمل له أمنيته .ـ
  • يقبض على الحَب في يده ، ويدور حول نفسه ، يلف ويلف ويلف ، ويدور دورات مكتملة ، لا يكف عن الدوران ، فيدوخ ويسقط ، لكن رأسه ما زالت تلف كما كانت .
  • يقع الحَب من يديه على الأرض الترابية ، لتأتي يمامته من علو لتسكن يده مكان الحَب المنثور.ـ



  • --------------------------
  • **الأبيات من رباعيات صلاح جاهـين

حكايات فلفلة وفجلة

  • يحكى أن الأسد رجع بعد رحلة علاج خارجية في إحدى الغابات المتقدمة التكنولوجية ، والتي يعتمد مواطنوها على وجود العدل بينهم ، كعامل مشترك لوجودهم ومشاركتهم حياتهم .ـ
  • بعدما استقر على أرض وطنه المستتب الأمن والمحكم السيطرة ، أرسل لوزراءه ومستشاريه في إجتماع عاجل ، أخبر رئيس وزراءه أنه سيناقش أمرا خطيرا لا يحتمل التأجيل .ـ
  • في الموعد والمكان المحددين كان الكل منتظرا طلعته المبعككة ، وصورته المرتقة ، سرح بعضهم بخيالاته بعيدا يحاول تهدئة نفسه المرتبكة ، وأخذ البعض يأكل في أذان البعض الأخر رغيا وتهبيلا .؟ـ
  • وعلى مقربة منهم كان الببغاء ـ أحد مواطني الغابة المساكين ، واقفا على شجرة التين .ـ
  • هب فجأة رئيس الوزراء صاحب السعادة _ الفيل _ على رجل واحدة باسطا خرطومه الطويل رافعا جناحا أذنيه بوضع أفقي عجيب كأنه يؤدي دوره في السيرك وقال :ـ
  • أيها الجمع الكريم ، والسادة الكرام ، أود إبلاغم أننا هنا جئنا لنناقش وضع البلاد ، لنكون على بينة من الأمر ، وعلى أهبة الاستعداد .ـ
  • سكت الفيل المبروم ، بعد تصريحه المشئوم ، وتناول طرف الحديث وزير المالية القرد ، خفيف الوزن والقد ، وقال :ـ
  • زملائي الكرام ، وزراء التجارة والأموال ، أود أن ابلغكم ، أني سوف أفرض ضريبة جديدة ، تكملة لمشواري الذي ابتدأته ، ودوري الذي انتهجته ، فلن أتخلى عن موقفي من جمع النقود ، فقط سأمضي في قراراتي ولن أعود .ـ
  • لم ديلك عننا بقى .. يا رب يتعلق منك في شجرة ويتقطع .. "همس الببغاء "ـ
  • أخواني الطلبة .. أسف ، أقصد أخواني الوزراء الطيبين ، أنا الحمار الوحشي وزير التعليم ، تعرفونني جيدا ، فقد ملأت الغابة صياحا وتصريحات ، وعرفت بعد عدة جولات وصولات ، أن التعليم في البلاد ، أساسه الضرب والاستعباد، فلا بد أن يرجع زمن السياف والجلاد ، حتى نحظى بشرف تربية الأوغاد .ـ
  • حمار .. هيكون إيه يعني .. حمار .. "همس الببغاء مجددا"ـ
  • جاء دور ـ وزير الداخلية ـ الثور ، فبلع ريقة المذاب ، وخبط بفردتي القبقاب : يا معشر البقر ، أقصد أيها النجوم والقمر ، جئت اليوم بناءا على الطلب ، لكنني تركت ورائي النار تشتعل في الحطب ، فكفانا قولا وخطب ، وتلخيصا لمراد القول ، فليس لنا غير رئيسنا الأسد ذو القوة والحول ، لكننا حقيقة محاصرين من الثوار والمناهضين ،ـ
  • يا ابن التيييييييييييييت .. "صاح الببغاء" ، والتفت حولهم الوزراء .. لكنهم لم يستدلوا على مصدر الصوت .ـ
  • رفع الذئب ـ رئيس الديوان ـ حاجبيه ، وأطلق للأمام ناظريه : أيها الجمع الكريم الشهير ، أيها الأشاوس والمغامير ، لا أعلم سببا للجمع واللقاء ، إلا أنني أتوقع من الرئيس الدوام والبقاء ، فادعوا الله معي أن يعطيه الصحة ، وأن يمنن عليه بالصبر وأن يكفيه شر السعال والكحة ، وان يبدله بمرارة غير مرارته ، وشعبا خيرا من شعبه .ـ
  • وعلى الفور لهجت ألسنتهم جميعا بالثناء للرئيس ، وبتمديد الحكم في أسوء الأحوال للوريث .ـ

الخميس، 25 فبراير 2010

تقاطيع المشمش ـ قصة قصيرة ـ عمل مشترك

نفس المكان ,لحظات اخرى ترسم طريقها الى الواقع و نفس المسافة الرمادية التى تفصله عن نفسه ."انته غاوى تعب " . جالس فوق سلة المهملات المقلوبة يتابع العصافير تدخل الحجرة لا تجد فيها حبا - تخرج بسرعة - . يسرع باغلاق النافذة حتى لا تدخل عصافير اخرى فتصاب بالاحباط."النهارده يوم جديد..". يبدأ في النظر إلى ساعة حائطه التي اعتراها تراب الزمن فما عادت تدق .منتظرا في قرارة نفسه أن تقع في أي لحظة .
كان يحس قديما في دقاتها نشاطه الذي يبعثه فيه حركات عقرب ثوانيها السريعة
مالت هي كما مال حظه المنهك ، واستشرت فيها مخلفات سكن عنكبوت عاش حياة قصيرة قديمة .
يركض بداخله خلف هذه التأثيرات الرمادية شعوره الدائم بأنه بحظ متعب قد فقد فيه جلاله واستقامته وأحلامه الفاشلة .
مازال مصرا أن السبب منه ، وأن دورات حوادث الكون لا تتحرك في داخل حجرته الضيقة تلك والتي تكتسي بلون رتيب باهت لم يجدد منذ حركات لا متناهية من عقرب الساعات بساعة حائطة المهملة
يعبث بخصلات شعره الأشعث المعقود بلفات متناقضه تنبئ عن فكر قد تراخى من كثرة الاستعمال خارج إطارته الشرعية .
يتذكر أنه لم ينظر في مرآة نفسه المتكسرة من خبطات قاضيات للزمن المسيطر مرددا اللعنات المكبوتات داخله لواقعيته المرة الطعم " الشركة استغنت عن خدماتك ... انته ما سمعتش ولا ايه؟".
فى غفلة من ذاته قرر أن يتحداها كما كان يفعل ...إمتدت أناملة بإرتعاشه و فتحت دولاب ملابسه ليقف عاريآ أمام مرآة ذاته ..بهتته المفاجأة لتصدر زفرة حارة مختلطة بأه طويلة ..كل تلك السنين إختزلتها ملامحة لترسم أخاديد على وجهه المتعب من كثرة الإهمال أو من كثرة التفكير فكلاهما دمرة و لم يبقي له شيئآ من ذاته سوى صورة متواضعة لشاب مبتسم سعيد فى مقتبل العشرين يعلقها على ضرفة الدولاب...
إرتطم الدولاب محدثآ دويآ أيقظة و كان الدولاب نفسة يعلن تمرده على إستسلامة و يأبى الخضوع لذلك الشعور الطاغي بالإنكسار و الهزيمة الذى يغلف الغرفة بضباب سام .......................

ألقى بجسدة المرهق المستنزف على السرير ..أغمض عينيه يستجدى بقايا أحلام تكسرت على شطئان وحدته فى معارك أعلن هو إنهزامة لخجلة من المبادرة و خوضها .مازال يذكر جيدآ شجرة المشمش التى كانت تلقي بظلالها على الحديقة ...
لم تتخل أمه مرة عن أن تودعه سريره في براح الحديقة معلقا بأذرعة شجرة المشمش تلك . كان ينتمي لتلك الشجرة وتنتمي إليه ، يركض أول رجوعه من خارج البيت ليقبل جزعها .
..تذكر ذاك الصبي الصغير الذى كان يركض فى حديقة المنزل محدثآ دويآ و حياة ..سافرت ذكرياته إلى صبي فى السابعة يحمل ذات التقاطيع و الإسم يقف على إستحياء ينظر إليها بفضول و دهشة ..فتاة فى الخامسة تلعب الريح بضفيرتها الطويلة تحمل عروسة صغيرة و تجلس على درجات السلم تلعب بهدوء و تسترق نظرات إلية ..سمع والدته تناديه من التراسينه و تطلب منه اللعب مع ملك جارتهم الجديدة ...أغمض عينيه بقسوة من يطرد الحلم و يدمر الذكريات بقبضة يده ..
" قولى طعم المشمش بتاع شجرتكم حلو؟"
"مش عارف "
"ازاى"
" مادقتوش"
لم يذق طعم المشمش .. فقط اكتفى بان يتامل تقاطيعه
يا لها من تقاطيع رسمت على قلبه منذ كان رضيعا ، كان دائما ما يتسلقها ومعه كتابه المدرسي ليقضي أغلب النهار هناك عالقا بفروعها ومتعلقا بحنانها المشمشي
يرى وهو في علوه من فوق الشجرة حبيبته ملك وهي تنادي عليه من تحته وتحذره من أن تزل قدمه أو أن يحترس من أن يفقد توازنه .
إلا أنه كان دائم التورط في إثارة خوفها عليه أو قلقها من مشاكساته التي دائما ما تنتهي من تفاوض معها على النزول من علو الشجرة إلى ثبات الأرض. تجلس بجوارة تحت الشجرة تحدثه عن حلمها " لما اكبر حكون مدرسة زى ماما واتجوز اجيب ولد وبنت" و هو مستسلم لإيقاع صوتها الرقيق ..تلامست أناملهما بحركة خاطفة مودعة و هى تركب السيارة و ترحل بعيدآ ..لم يشعر بدموع ساخنة تنساب عى وجهه لتغسل بقايا حلم ..
لكنه جلس تحت الشجرة تصرف بلامبالاة كأنه لم يراها و لم يحلم بتلك اللحظات التى سيعترف لها بمشاعرة ....
إبتسم بأسى و هو ينظر إلى سقف الغرفة الرمادية
********************************
*********************************
فكرة وبداية ومونتاج وإخراج : حسين الخياط
مؤثرات وإضافات وإدراة إنتاج : لينــــا نابلسي
مشاركة متواضعة : أحمد حشمت

الخميس، 8 أكتوبر 2009

في البحر سمكة

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

أقف على حافة البحر الذي يصب فيه النيل فيضه محملا بهداياه الثمينة ذات الأصول السوداء الحارة .
أردد في نفسي كيف لهذا النيل الطويل العمر والمسافات أن يستمر دون أن يستوقفه عائق أو أن ينال من عطاءاته طامع ؟ وكيف لي أن أراه كريما راضيا ببطولته تجاه أراضينا القاحلة من غير مياهه ، دون أن أذكره في مجالس الذكر .
رغما عني أستمع إلى أصوات أفراس هذا النهر التي كانت تسبح فيه يوما ، وأحمد الله أنني ما قابلت يوما في أي من أيامي تمساحا من تماسيحه .
بالرغم من إنني لا أجيد السباحة إلا إنني أستمتع جيدا بالطفو ، وأحب ألوان الأسماك رغم أنني لست صبورا على اصطيادها ، وعندما أحسست بالغرق في أيام مضت لم أخزن في ذاكرتي غير ما شعرت به من إقتراب الموت في راحة ورضا ـ على غير العادة ـ من ضميري الذي يؤلمني كثيرا .
تأتي عروس البحر لتقترب مني دون أراها ، وعندما أشعر بأنفاسها الساخنات تطوقني شيئا فشيئا أتوجس منها خيفة ورهبة رغم ما فيها من جمال ورقة وخشوع .
أجلس معها على شط واسع مملوء بالأصداف الرقيقة وكلانا يمد رجليه وقدميه في المياه الساكنة ، أسألها أن تعطيني شربة ماء على الرغم من خواء معدتي وإحساسي بالجوع ، تملأ هي كفيها بماء صافٍ لأشرب ، ولأطلب منها أن تزيدني .
ألاحظ خطوط الحظ التي في يديها ـ التي تصب في اتجاه وحيد ـ وقد اختفت معالمها وأثارها ، وأخبرها أن خطوط حظي أكثر وضوحا وافتراقا ، أقبض على يديها علني أتلمس طريقى القادم بهداية من هذه الخطوط المحظوظة لأنها سكنت تلك الأيدي الناعمة .
تهمس بأذني أنها ترتاح على كتفي وتحس بالأمن والأمان ، فأسألها : " ألا تأمنين البحر وأنت عروسه ؟ " . أعرف أنها لم تكن أبدا راضية في ظل وحشة البحر وظلمته ، أنظروا إليه فما يظهر على سطحه لا ينبئ أبدا إلى ما في جوفه ، إنه غادر دائما .
أحس اقترابها مني أكثر وأحس بنوبات الكهرباء السارية في جسدي حتى يصيبني الشلل وتمنعني التحرك .
أطلب منها أن أرحل لأنني لست أهلا للحظة والحدث ، وتجيب إلي طلبي رغم ما أحس في عينيها من حزن لابتعادي ولاضطرابي المفاجئ .
نقف مودعين بعضنا وجها لوجه وعينا لعين وأنفا على أنف ... ياله من اقتراب ... ياله من سحر .
تسألني في مكر ورقة : " إمشي " ... " ها " ... كانت تلك إجابتي ...
تكرر : " يلا أمشي " .. " ها " ...
" بقولك امشي " ... " ــــــــــــ " .
هكذا إذن ليس هناك ما يمنع من البلوغ فقد تركت المراهقة منذ زمن بعيد .