الصورة مقتبسه من هذا الرابط |
تغرق الوردة في الندى فيطيب عطرها ويفوح منها نسيم يغطي سطح هواء التربة الحاضنة. تبعث الجذور من الأعماق رسائلها المشفرة لتصعد في الساق الرقيق فتختلط بعلامات محفورة داخل جداره وتطبع عليه لمساتها فتستثمر حزنها وجراحها لتطرح عطرها مبهجا للفراشات الحائمات حول أحلامهن.
البنت والولد اللذان يستمتعان بصحبتهما ويطيران مع الفراشات في دوائر الكون البراح، ويخطفان قبلاتهما كعصفورين وجدا عشهما الذي سيظلهما من خوف المستقبل، يسرق كلاهما هذه اللحظات علّ أن تشفي جروح وندوب حاضرهما الذي ليس له معنى.
البنت والولد لا يشعران بأحد غيرهما، ولا أحد يشعر بخلوتهما غير الوردة الفواحة والفراشات حولهما، لا يستقطب شغفهما أحاسيس تقطع عناقهما المستمر المتقطع، ولا يدور بخلدهما إلا بريق أعينهما المُسبّح بحمد الحب.
لحظة بلحظة تسكن حولهما أغنيات الطبيعة، وتنفض دنياهما إلا من خيالهما المختلق، لا ليل يعنيهما ولا صباح يدركهما، وتستمر تقلباتهما ودحرجتهما شيئا فشيئا حتى يلتصقا فيشبها في إلتصاقهما كسندوتش "عسل بالقشدة". كلما تضغط بأصابع يدك على أحد جوانب السندوتش تفاجأ بسيلان ما بداخله على جوانبه الأخرى.
لم يبذلا جهدا في محاولة أن يلملما عسلهما أو أن يحتفظا بقشدتهما، ولم يلحظا من الأصل سيلانهما خارج الساندوتش.
الولد يحاول أن يستجمع خيالاته ليبدع أكثر، وليستحضر ثورة روحه الخامدة، والبنت تفرك معينها لتمزج بهارات جسدها لتصبح أكثر وجودا وحضورا واستئثارا بالطقس الملهم.
تذكر البنت نفسها بأول مرة دخلت كهف روحها واستكشفته، تحكي داخلها أنها كانت تبالغ في استنطاق ألامها، وأن الوجع مادة خصبة لنسج خيوط البهجة ولم يكن ينقصها غير التأقلم.
أما الولد فلم يعد حاضرا في خياله إلا ملمس نعومة أظافرها، وثبات نظرتها، واختلال ذبذبات أنفاسها المتدرجة ما بين الصعود والهبوط، هي التي تقود الأن وهو الذي يتبع الإشارات.
الوردة تخلص للندى فتبيح له بسر حضرته وبهائه عليها، وتستشهد بالفراشات اللائي توسطن قلبها لينهلن من رحيقها المعتق بالخلود. والخلود يغلق بوابته لتتم مقاديره ومشيئته، فلا فكاك منه ولا مفر. ولا حرية إلا داخل صندوقه.