" كل الألوان اللي عندي للأسف باظت .. بقالي كتير مرسمتش ، طيب أعمل ايه دلوقتي أجيب ألوان منين ؟ الساعة 3 بالليل!!"
تتقلب في سريرها من أرق عاصف خلع عنها سترة النوم ، وبدد ليلها وأحاله إلى نهار كاشف ، لكن لا أحد غيرها في هذا البيت قد حصل على هذه الجرعة المفروضة من أرق الليلة الطويلة . قد تعودت أن تشغل نفسها بالرسم إن وضعتها الظروف في مثل ما هي فيه الأن ، لكنها من زمن لم تشهد سخونة فراش مقلقة كما عاشتها الليلة . ألوانها الزيتية قد فسد معظمها بسبب الإهمال ، وأصابها الهواء فغير حالتها السائلة .
"كل كلامي معاه كان في الهوا الطاير .. لا بيحس ولا بيرحم"
نسيت أنها تلبس قميص نومها الأبيض وقامت من فراشها متململة لتفتح نافذة حجرتها المطلة على شارع ضيق كئيب لا يتجاوز عرضه 6 أمتار علها تلتمس بعض هواء الليل لكن ما لبثت أن وجدت من يتلصص على جسمها من بلكونة الشقة المقابلة بعدما ألقى عبارات تحرشه على أنثى كانت تعبر الشارع، فأحست كأن الدنيا تحاصرها لتحبسها داخل جدران حجرتها، أغلقت دفتي النافذة واستكانت مرة أخرى في موضع نومها.
"أنا هلاقيها منين ولا منين .. من أهلي اللي مش سألين فيا، ولا من حبيبي اللي مش بيحبني ، ولا من ولاد الكلب اللي مبيرحموش أي حتة لحمة ماشية في الشارع"
أحست في أنها تحتاج للبكاء لكن قلبها لم يشجعها على ارتكاب هذا الخطأ، ولم تدري لما اعتبرته خطأ.. أهو لأنه إحساس بالضعف أم لأنه إحساس بالوحدة لا يجوز في زمن لا يساند إلا من بيده الوجع والقوة والألم.
كل يوم كانت تخلع عواطف جديدة وتطبقها فوق بعضعها لتضعها في رف الدولاب المفتوح دائما لكل الزائرين، هذا هو فستان يوم الخطوبة التي لم تتم، اشترته وأضافت عليه زينته بيديها، قطعت عشر ليال كاملة كي ترصعه بالخرز الملون. لكن فارس بني خيبان لم يأت ساعتها، كل الأعذار التي أبداها لم تكن كافية لتسامحه، حتى وإن أبدى لها موته كعذر إضافي.
"وانت تموت ليه دلوقتي .. طيب أخطبني وبعدها موت في أي يوم تاني .. يعني ايه العربية اللي كنت جاي بيها تتقلب على الدائري .. هو ده كلام منطقي ؟"
هكذا حدثت بغضب صورته التي لديها في صندوق ذكرياتها الذي يقبع في ركن من أركان حجرتها الضيقة، كانت تتصور أن وجهه الذي بالصورة سيحترق خجلا منها، لكن دون جدوى .. هو كما هو "لا بيحس ولا بيرحم".