كثر الحديث عن الحلاج , واهتممت أنا بشأنه لفترة كنت فيها بالجامعة , حينما وقع بين يدي كتاب للفلسفة الإسلامية لزميل لي كان في السنة الاولى بكلية التربية قسم اللغة العربية , وكان الدكتور المؤلف بفرد صفحات عديدة لحياة الحلاج ونهاية قصته بعد صدور الحكم عليه بالموت .
قرأت من كلامه اليسير إلا انه حاز على إعجابي البالغ بمقدرته التي حسده البعض من الذين تجدهم رابضين متربصين راصدين حركات الناس وسكناتهم على غير ما ارادوه هم بنياتهم .
عجبت جدا منه إذا يطلب من ربه حال تنفيذ الحكم الشرعي ـ كما البسوا عليه من وصف ـ غفرانا ورحمة لهم لأنهم لا يعلمون ما علمه .
لا أملك إلا أن أحسبه عند الله خيرا ، لأنني لا أجد فيما عرفت عنه ما يناقض ذلك إلا من كذب وافترى .
هذه كلماته قبل صلبه :
نَحَنُ بشَوَاهِدِكَ نلُوذُ
وبِسَنَا عِزَّتِكَ نَسْتَضِئ
لِتُبْدِى لَنا مَا شِئْتَ مِنْ شَأْنِكَ
وأنْتَ الذِى فِى السَّماءِ عَرْشُكَ
وأَنْتَ الذِى فىِ السَّمَاءِ إلَه
وفِى الأرضِ إِلَه..
تَجَلَّى كَمَا تَشَاء
مِثْلَ تَجَلِّيكَ فىِ مَشِيئتِكَ كأَحْسنِ صُورَةٍ
والصُّورَةُ
هِىَ الرُّوحُ النَّاطِقَةُ
الذِى أفْرَدْتَهُ بالعلمِ (والبيَانِ) والقُدرَةِ
وهَؤَلاءَ عِبَادُكَ
قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى تَعَصُّباً لدِينكَ
وتَقَرُّباً إليْكَ
فاغْفرْ لَهُمْ !
فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا كَشَفْتَ لِى
لما فَعَلُوا ما فَعلُوا
ولَوْ سَتَرْتَ عَنِّى مَا سَترْتَ عَنْهُمْ
لما لَقِيتُ مَا لَقِيتُ
فَلَكَ التَّقْديرُ فِيما تَفْعَلُ
ولَكَ التَّقْدِيرُ فيِما تُرِيد
<<<<<<<<>>>>>>>>>
هذه كلماته شعرا حال حياته:
ياويح روحي من روحي
لبيك، لبيك، ياسري ونجوائي
لبيك، لبيك، ياقصدي ومعنائي
أدعوك بل أنت تدعوني إليك
فهل ناديت إياك أم ناديت إيائي؟
ياعين عين وجودي يا مدى هممي
يا منطقي وعباراتي وايمائي
يا كل كلي، يا سمعي ويا بصري
يا جملتي وتباعيضي واجزائي
يا كل كلي، وكل الكل ملتبس
وكل كلك ملبوس بمعنائي
يا من به علقت روحي فقد تلفت
وجداً فصرت رهينا تحت أهوائي
أبكي على شجني من فرقتي وطني
طوعاً، ويسعدني بالنوح أعدائي
أدنو فيبعدني خوفي فيقلقني
شوق تمكن في مكنون أحشائي
فكيف أصنع في رحب كلفت به؟
مولاي، قد مل من سقمي أطبائي
قالوا تداو به منه ، فقلت لهم: يا قوم ،
هل يتداوى الداء بالداء
حبي لمولاي أضناني وأسقمني
فكيف أشكو الى مولاي مولائي
إني لأرمقه والقلب يعرفه
فما يترجم عنه غير ايحائي
ياويح روحي من روحي، فوا أسفي
على مني فإني اصل بلوائي
كأنني غرق تبدو أنامله تغوثاً
وهو في بحر من الماء
وليس يعلم ما لاقيت من أحد
الا الذي حل مني في سويدائي
ذاك العليم بما لاقيت من دنف
وفي مشيئته موتي وإحيائي
يا غاية السؤل والمأمول يا سكني
ياعيش روحي، يا ديني ودنيائي
قل لي- فديتك- يا سمعي ويا بصري
لم ذل اللجاجة في بعد واقصائي
إن كنت بالغيب عن عيني محتجباً
فالقلب يرعاك في الإبعاد والنائي
العارفون صحبي
للعلم أهل وللإيمان ترتيب
وللعلوم وأهليها تجاريب
والعلم علمان: منبوذ ومكتسب
والبحر بحران: مركوب وموهوب
والدهر دهران: مذموم وممتدح
والناس اثنان: ممنوح ومسلوب
فاسمع بقلبك ما يأتيك عن ثقة
وانظر بفهمك فالتمييز مرهوب
إني ارتقيت الى طود بلا قدم
له مراق على غيري مصاعيب
وخضت بحراً ولم يرسب به قدمي
خاضته روحي وقلبي منه مرغوب
حصباؤه جوهر لم تدن منه يد
لكنه بيد الافهام منهوب
شربت من مائه ريا بغير فم
والماء قد كان بالأفواه مشروب
لأن روحي قديماً فيه قد عطشت
والجسم ما مسه من قبل تركيب
اني يتيم ولي آب الوذ به
قلبي لغيبته ما عشت مكروب
أعمى بصير، وإني ابله فطن
ولي كلام، إذا ما شئت مقلوب
وفتية عرفوا ما قد عرفت فهم صحبي
ومن يحظ بالخيرات مصحوب
تعارفت في قديم الذر انفسهم
فأشرقت شمسهم والدهر غريب
سر السرائر
سرالسرائر مطوي بإثبات
في جانب الأفق من نور،بطيات
فكيف والكيف معروف بظاهره
فالغيب باطنه للذات بالذات
تاه الخلائق في عمياء مظلمة
قصدا ولم يعرفو غير الاشارات
بالظن والوهم نحو الحق مطلبهم
نحو السماء يناجون السماوات
والرب بينهم في كل منقلب
محل حالاتهم في كل ساعات
وما خلوا منه طرف العين- لو علموا-
وماخلا منهم في كل أوقات
والله لو حلف العشاق أنهم
موتى من الحب أو قتلى لما حنثوا
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا
ماتوا، وإن عاد وصل بعده بعثوا
ترى المحبين صرعى في ديارهم
كفتية الكهف، لا يدرون كم لبثوا
ردو على فؤادي
أنتم ملكتم فؤادي
فهمت في كل واد
ردوا علي فؤادي
فقد عدمت رقادي
أنا غريب وحيد
بكم يطول انفرادي
أنا سقيم عليل
فدوائي بدواك أجري
حشاشة نفسي في سفن بحر رضاك
أنا حبيس فقل لي:
متى يكون الفكاك؟
حتى يظاهر روحي
ما مضها من جفاك
طوبى لعين محب
حبوتها من رؤاك
وليس في القلب واللــب
موضع لسواك
حال الدنيا
دنيا تخادعني كأنني
لست أعرف حالها
حظر الإله حرامها
وأنا اجتنبت حلالها
مدت الي يمينها
فرددتها وشمالها
ورأيتها محتاجة
فوهبت جملتها لها
ومتى عرفت وصالها
حتى أخاف ملالها