اشتريت اليوم كتابين من مشروع مكتبة الأسرة أحدهما هو مجموعة قصصية للراحل الكبير "خيرى شلبى" بعنوان "أسباب للكى بالنار"، والأخر بعنوان "العالم الروائى عن نجيب محفوظ" للكاتب "إبراهيم فتحى" ... لكن ما لفت نظري بشدة وجذب انتباهي وأبهج سريرتي أنني وجدت مقدمة الكتابين مختلفة عن المقدمة التي كانت موضوعة في كل كتب مكتبة الأسرة في السابق حيث كان المشروع كله منسوبا لسيدة مصر الأولى والأخيرة صاحبة المعالي والأسافل "سوزان ثابت " زوجة الرئيس المخلوع والمتهم الأشر "حسني مبارك" .
وهذه المقدمة التي ابتدئ بها الكتابين والتي أتحدث عنها ذيلت بتوقيع الكاتب العظيم الراحل " إبراهيم أصلان" الذي أختير ليرأس هذا المشروع في أغسطس ٢٠١١ لكنه توفي قبل أن يرى أثر إختياراته واختييار اللجنة التي كونها لتقييم الأعمال والإنتقاء منها لكي تنشر ضمن هذا المشروع .. ومن روعة المقدمة وروعة من قدمها وددت أن أعرضها لكم هنا علها تكون نورا ورحمة على كاتبنا الفقيد "إبراهيم أصلان" تغمده الله برحمة منه وجعل مثواه الفردوس الأعلى إن شاء الله .
" مشروع "القراءة للجميع" أى حلم توفير مكتبة لكل أسرة، سمعنا به أول مرة من رائدنا الكبير الراحل توفيق الحكيم.
وكان قد عبر عن ذلك فى حوار أجراه معه الكاتب الصحفى منير عامر فى مجلة "صباح الخير" مطلع ستينيات القرن الماضي، أى قبل خمسين عامًا من الآن.
كان الحكيم إذًا هو صاحب الحلم، وليس بوسع أحد آخر، أن يدعى غير ذلك.
وهو، جريًا على عادته الخلاقة فى مباشرة الأحلام، تمنى أن يأتى اليوم الذى يرى فيه جموعًا من الحمير النظيفة المطهمة، وهى تجر عربات الكارو الخشبية الصغيرة، تجوب الشوارع، وتتخذ مواقعها عند نواصى ميادين المحروسة، وباحات المدارس والجامعات، وهى محملة بالكتب الرائعة والميسورة، شأنها فى ذلك، شأن مثيلاتها من حاملات الخضر وحبات الفاكهة.
ثم رحل الحكيم مكتفيًا بحلمه.
وفى ثمانينيات القرن الماضى، عاود شاعرنا الكبير الراحل صلاح عبد الصبور، التذكير بهذا الحلم القديم، وفى التسعينات من نفس القرن، تولى الدكتور سمير سرحان تنفيذه تحت رعاية السيدة زوجة الرئيس السابق.
هكذا حظى المشروع بدعم مالى كبير، ساهمت فيه، ضمن من ساهم، جهات حكومية عدة، وخلال عقدين كاملين صدرت عنه مجموعة هائلة من الكتب، بينها مؤلفات ثمينة يجب أن نشكر كل من قاموا باختيارها، إلا أنه، للحقيقة ليس غير، حفل بكتب أخرى مراعاة لخاطر البعض، وترضية للآخر، ثم إن المشروع أنعش الكثير من متطلبات دور النشر، بل اصطنع بعضها أحيانًا.
وبعد ثورة 25 يناير والتغيرات التى طرأت توقفت كل الجهات الداعمة لهذا المشروع الثقافى عن الوفاء بأى دعم كانت تحمست له عبر عقدين ماضيين، سواءً كانت هذه الجهات من هنا، أو كانت من هناك.
ولم يكن أمام اللجنة إلا مضاعفة التدقيق فى كل عنوان تختار، وسيطر هاجس الإمكانات المحدودة التى أخبرتنا بها الهيئة فى كل آن.
والآن لم يبق إلا أن نقول أن هذه اللجنة كانت وضعت لنفسها معيارًا موجزًا:
جودة الكتاب أولاً، ومدى تلبيته، أولاً أيضًا، لاحتياج قارئ شغوف أن يعرف، ويستمتع، وأن ينمى إحساسه بالبشر، وبالعالم الذى يعيش فيه.
واللجنة لم تحد عن هذا المعيار أبدًا، لم تشغل نفسها لا بكاتب، ولا بدار نشر، ولا بأى نوع من أنواع الترضية أو الإنعاش، إن لم يكن بسبب الحسنة، فهو بسبب من ضيق ذات اليد.
لقد انشغلنا طيلة الوقت بهذا القارئ الذى انشغل به قديماً، مولانا الحيكم.
لا نزعم، طبعًا، أن اختياراتنا هى الأمثل، فاختيار كتاب تظنه جيدًا يعنى أنك تركت آخر هو الأفضل دائمًا، وهى مشكلة لن يكون لها من حل أبدًا. لماذا؟
لأنه ليس هناك أكثر من الكتب الرائعة، ميراث البشرية العظيم، والباقي".