السبت، 21 يناير 2012

الضمير والقضاء والثورة


ليس هناك منا نحن الذين شاركنا في الثورة ـ من قريب أو بعيد، من داخل الميدان أو خارجه ـ وطوال هذه الشهور العديدة التي قاربت على أن تكمل السنة ـ من يحتكر الثورة أو يستطيع نسبتها لنفسه فقط، وليس منا من هو قادر على لم جماع الشعب حوله مهما بذل من محاولات جادة وحثيثة في الإقناع، فكل اليوم يفكر بطريقته مستخدما في ذلك غرائزه ومتأثرا بإحتياجاته الحياتية والإنسانية التي قد تفرض عليه سلوك طريق وإتخاذ منهج معين في التفكير قد يكون هو الغريب تحت تأثير الخوف أو الحاجه أو الخضوع.
لكننا أيضا لا يجب أن نكون فريسة لإنعدام الضمير والإخلاق، ولا أن نكون نحن الثوار كمثل السلطة التي ننتقدها ونحارب استمرارها على كراسيها، فإنا إن وصل بنا الحال كذلك فعلى الثورة السلام.
الثورة التي قامت من أجل صحوة الضمير تحتاج لاستمرارها واستقرارها ضمائر فاعلة ناقدة مهمومة بالوطن تعرف أن عليها عبئا ومسئولية قبلت أن تتحملها منذ أول لحظة لخروجنا في يوم 25 يناير 2011 لإسقاط النظام واستبداله بسلطة مدنية ونظام ديموقراطي يمثل الشعب ويعبر عنه.
السلطة التي سعينا لإسقاطها تلك لم تكن تتمثل في رئيس عجوز وعصابته من الوزراء والحزب الوطني فقط بل كانت أيضا متجسدة في إدارات للهيئات والمؤسسات القومية والحكومية الموالية هي وأفرادها لنزغ الشيطان، وظلت تحت حماية وزارات أمنية سيادية استخدمت سلطاتها في القمع والسحل والسجن لأعداء النظام.
على الرغم من تسلط كل تلك الهيئات والأجهزة، فإن ما يعنيني هنا هو العدالة القانونية التي يجب أن تتحقق عن طريق نيابة وقضاء دورهم الأصيل هو حماية الضعفاء والمساكين من بطش القادرين والسلطويين وأصحاب النفوذ وتوفير نظام تحقيق ومحاكمة عادلا ومراقبا لسلوك أجهزة الأمن القمعية والسماح للدفاع عنهم بالشكل الذي يحقق الرضا والأمان لدى المتهم بأن الحكم أو القرار الذي سيصدر بشأنه هو حكم الله وقدره وأن ما سينزل به من عقاب هو فعلا جزاءه الذي سيكفر به عن جرمه الذي ارتكبه.
أما وإننا في موقفنا الأن تحت ظل المحاكمات التي تجري على مرأى ومسمع من العالم كله نلاحظ صورتين شديدتا التباين والإختلاف مما يجعلنا غير واثقين في الأحكام والقرارات التي تصدر من الجهات القضائية وجهات التحقيق رغم ما قد يصدر عنها من براءات أو قرارات أخرى في صالح الثورة والثوار .
الصورة الأولى نشاهدها في إجراءات تحقيق ومحاكمات الفاسدين والقتلة والتي يتمثل فيها كل ضمانات العدالة والنزاهة وتطبيق مبدأ "أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته" على الرغم من فرضية ثبوت التهم التي تؤدي لو صحت إلى عقوبات شديدة ومغلظة فترى مثلا : 
أولا: أن المحاكمات تجرى أمام القاضي الطبيعي وليس قاضي أستثنائي "عسكري أو أمن دولة".
ثانيا: أن النيابة العامة أهملت في تجميع أدلة الإتهام على الرغم من قدرتها وسلطتها اللامحدودة الممنوحة لها بالقانون بحجة عدم تعاون أجهزة الدولة معها.
ثالثا: المعاملة المحترمة والتقدير الكبير وتوفير سبل الراحة وكفالة حق الرعاية الصحية والحماية الجسدية للمتهمين المحبوسين إحتياطيا أو المسجونين منهم على ذمة التحقيقات أو المحاكمات.
رابعا: إعطاء الفرصة الطويلة للمتهمين ومحاميهم في تحضير الدفاع القانوني والحرص على تمكينهم من المرافعة في ظل براح واسع من الوقت امتد لـثلاثين يوما في إحدى المحاكمات "محاكمة مبارك كمثال" .
خامسا: الفصل في القضايا بصورة بطيئة والتأجيل لمدد طويلة .
الصورة الثانية نراها في إجراءات تحقيق ومحاكمات الثوار والمتظاهرين والفقراء والمساكين الذين ألقاهم حظهم العثر في قبضة الجيش والشرطة أثناء فض الإعتصامات والمظاهرات والوقفات والمسيرات الإحتجاجية ضد مبارك سابقا والعسكر حاليا والتي يتمثل فيها مبدأ "أن المتهم شيطان ليس له حقوق ويستوجب معاقبته وتأديبه" وذلك على الرغم من توافر كافة الدلائل التي تشير إلى تلفيق وكيدية التهم المنسوبة للمتهمين بالإضافة إلى بطلان غالبية الإجراءات التي تتم من لحظة القبض وحتى قرار الحبس الإحتياطي ولذلك يمككنا أن نلاحظ الأتي :
أولا: أن غالبية المحاكمات تجري أمام قضاء وجهات تحقيق استثنائية " عسكرية وأمن دولة " وحتى إن ضلعت جهات القضاء العادي بالقضايا فإن همها يكون البحث عن الإدانة وليس عن البراءة وإلباس التهم للمتهمين وليس البحث عن حقيقة الوقائع والأحداث.
ثانيا: أن جهات التحقيق دائما ما تغض البصر عن الإنتهاكات والتعديات والتجاوزات التي سبقت التحقيق كالتعذيب وأساليب الإكراه المادي والمعنوي بل قد تسمح به وتستثمره في الحصول على إعترافات من المتهمين وخاصة في حالة عدم وجود محامٍ واع ٍ مع المتهمين .
ثالثا: المعاملة القذرة الحيوانية مع المتهمين وعدم الإهتمام بصحتهم وسلامة أجسادهم ومخاطبتهم بأسلوب ونظرة إحتقارية وكلمات خارجة عن حدود الأدب والأخلاق .
رابعا: منع المحامين من أداء دورهم أو إعاقتهم وعدم تسهيل مهمتهم في أداء واجبهم القانوني والتعنت في عدم تقبل طلباتهم والحرص على عدم إطلاعهم على محاضر التحقيقات أو الإتصال بالمتهمين .
خامسا: الفصل في القضايا بشكل سريع وصدور أحكام عاجلة.
لذلك فإن هاتين الصورتين تدللان على أن الفصل في القضايا يتم بمنظورين وبمكيالين مختلفين على حسب شخصية ومكانة وقيمة وثراء ونفوذ المتهم نفسه مما يطعن ويشكك في نزاهة وحيادية جهات القضاء والتحقيق .
بالإضافة إلى أن القضاء المصري على الرغم من الإحتفاليات الكلامية في البرامج على الفضائيات والتليفزيون التي تقام كل يوم على خلفية محاكمة الرئيس المخلوع وأعوانه من الفاسدين بزعم أن ما يجري هو محاكمات القرن وأنها تؤكد على شموخ واستقلالية وعزة وعلو هامة القضاء المصري إلا إن الحقيقة هي أننا وحتى وقتنا هذا يظل قضاءنا عاجزا عن محاكمة الأقوياء وأصحاب السلطات والنفوذ والعسكر بدليل أن ما شاهده العالم على الفضائيات من دهس وسحل وقتل بشارع كورنيش النيل بماسبيرو وشارعي محمد محمود ومجلس الوزراء وما سبق ذلك في ميدان التحرير وأمام السفارة الأمريكية وفي أنحاء الجمهورية كالسويس والاسكندرية وقنا مرورا بكشف العذرية والتحرشات الجنسية .. كل ذلك لم تطل أصابع الإتهام فيه المجرمين الحقيقين الذين قتلوا وشرعو في قتل المتظاهرين والثوار الأحرار رغم تقديم البلاغات والشهادات الموثقة التي تؤكد ضلوع العسكر ووجودهم في الأحداث على الرغم من عدم حاجتنا للبلاغات فكل ذلك تم إذاعته ومشاهدته على الفضائيات والصحف والمجلات.
السؤال هنا إذا كنت يا سيدي القاضي تملك ضميرا حيا ونفسا لوامة تخاف وتخشى الله الذي اسمه العدل والحق.. لماذا تتمسك بكرسيك إن كنت لا تستطيع محاكمة الظالمين ومعاقبتهم ؟
لماذا تقبع في مكانتك وأنت لا تملك من الأمر حلا أو ربطا إلا تنفيذ التعليمات والأوامر العليا ؟
لماذا تظل في عجزك خانعا للسلطة والقوة ولا تستخدم عصاك ومشنقتك إلا على الضعفاء والمساكين ؟
أما إذا كنت يا سيدي القاضي ليس لديك ضمير وضلت نفسك طريق النجاة فأود أن أبشرك بعذاب أليم تلقاه في الدنيا على أيدينا وفي الأخرة على أيدي ملائكة العذاب .. وكله بإذن الله .. والله بصير بالعباد .

صورة لاعتصام القضاة أمام دار القضاء العالي يناير 2012 تصوير أحمد نبيل 

تحديث : رحت قابلت واحد من القضاة المعتصمين من اسبوعين كده وراني حكم تأديب على وكيل نيابة في المنصورة متهم فيه بـ سب وقذف واستغلال نفوذ وتعاطي مخدرات ومصادقة فتيات وفيه شهود على كل ده وتحليل معمل جنائي وتحقيقات من النيابة وفي الأخر حكموا برفض دعوى التأديب عشان أبوه مستشار وكان حاضر معاه المحاكمة التأديبية..المهم إن التهم اللي ذكرتها دي تستوجب العقوبة الجنائية بصرف النظر عن عقوبة التأديب ورغم كده محصلش أي حاجه ولم توقع أي عقوبة يعني سيادة وكيل النائب العام ارتكب جرائم جناية ومتعاقبش عليها لا جنائي ولا تأديبي وقاعد ع الكرسي بيحقق مع المتهمين ويحيلهم للمحاكمة .. يبقى ده اسمه عدل ?



ليست هناك تعليقات: