هي التي كانت تظهر له كل رغبتها في البقاء بجانبه ، وتسطع في عينيها شمس المحبة عندما تتوارى شمس الدنيا في مغيبها .
كانت رغبتها هذه تعطيه الامل القادم بيقين ثابت لا شك فيه ، وكان صوتها الناعم كخد طفلة صغيرة في حين خطابها له تُأَمل له جميل المستقبل . فقد كانت كل شيء بتجليها أمامه ، وأي شيء حين تغيب عن رؤية عينيه .
تلمسته بكل ما فيها من سحر لا يحسه غيره أحد ، فقد يراها البصير غير جديرة بحبه ، وغير أنثى تستحق منه كل هذا الوله العميق .
أحس منها غير مرة باستجداء نبضات قلبها على أعتاب قلبه المغلق من زمن ، طوى عبر ذلك كل أفكاره الرتيبة بألا ينتهك حرمة أسوار فؤاده .
ضل في السعي ، وأتعبه الفكر والإنشغال . وظل يسبب بينه وبين نفسه حكمه الذي سيصدر برفض تفاعله مع ما أشعلته هي فيه بجذوة العشق .
يا لهول المسألة .. وصعب الاختيار .
حكى لها عنها ، وحكى عنها لهم ، ولم يحك عن خلجات نفسه بعد .
كانت تزيد حرارته في كل مقابلة غير موعودة معها ، وترتفع سرعة نبضاته بضغطات من حروف شفاهها عند كلامهما سويا .
كان ينساها كثيرا ، ويشتاق إليها أكثر .
أنهكته المشاعر التي كانت تتكاثر بداخله لعدم قدرته على الفكاك من اثارها حتى ازدحم خياله وحقيقته بها ، وأعطته الشعور بالفقدان والذوبان تحت اسم حبيبها .
رافضا كان على أمل البقاء وحده ، راغبا على العكس في مشاركتها ، علها تخفف عنه ما تبدى من أثار جمر أيامه البليدة .
ما كان يعتقده أنها تحبه أكثر ، وأنها تتمنى وده وقربه للأبد .
فمن هي حتى تحوز على أغوار سريرته ؟!
هي التي أرادت وهي التي أحبت ، وما هو إلا ملبيا لنداءات حبها المتكررة .
ربت على كتفه ـ صديقه القديم ـ قائلا : (( خد اللي يحبك ، وما تخدش اللي تحبه )) .
لم يكن هذا معيارا يلبي له ما ثار فيه ، لكنه كان قد تأثر كثيرا به .
كيف له ؟!
أليس كان باحثا عن العقل والحكمة في صورة انثى .ألم يكن معارضا لفكرة الحب من أجل الحب ومؤيدا لفكرة الحب من أجل الكمال والاكتمال ؟
أراد في صراعه العميق أن تكون أنثاه جزءا منه وله ـ مثله مثل أبيه أدم ـ أراد أن تكون من نفس نفسه وذات ذاته وكينونة كيانه .
أراد أيضا أن تكون انثاه جزءا يخبئه القدر ليتحفه بالصدفة والمفاجأة حين يلقاها على نفس الوتيرة والشوق .
لماذا أراد لنفسه الشرود ، وقلبه ما زال رضّا لم يرض بأثارها المختلطة عليه .
لماذا أسكت في صدره هذا الحس الأعلى ، وقبل على الرغم من معرفته السابقة بمجريات التنازل والتخلي عن المقام .
ظل في هذا ستة اشهر ، يكتم ما به ، مدافعا عن وجهته ، يود إخبارها بحبه المريض ، أو بفشله في البعد والانحسار والتراجع .
ظلت ندائاتها تمنعه ، وتطلب منه ما هو أشد عليه واعمق ، بدون تصريح ، ليس إلا تعريض يفهم على وجهتين .
هذه أنغام تغني : (( حبيتك ليه ، مش عارفة أنا حبيت فيك ايه )) ، كأنما كانت بصوتها تشاركه ظلماته .
ظلت الدنيا تضيق به رغم وسعها ، وظلت أنغام تلقي على مسمعه : (( إلقالك حد لو داقت بيك ، يفتح لك قلب )) .
يا لوعته .. وسط حرارة انتشائه حين تناديه من بعيد : (( أنا واخده منك على خاطري ، ايوه مخصماك ، علشان مبحسش دلوقتي إن أنا وحشاك )) .
هل كانت أنثاه تلك تعرف أنه يسمع لكلام أنغام ، وأنها ذات دلال عليه ، وقول مجاب لديه .
ربما .. لكنه سيخسر القادم ، لو طاوعته نفسه ، وغرقا معا في بحر الحب الٌلجي .
(( مش قولتلك حيران مش قولتلك ، مش قولتلك تعبان وتعبتلك ))