الازدواجية واختلاف المعايير والطبقية تجدها داخل القضاء العسكري كما
تجدها في مجتمعنا خارجه، ففي كل الأحوال لا ترجع الأمور أو القرارات
الصادرة من أعضاء ومسئولي القضاء العسكري إلى معايير ومبادئ واضحة تهتم
بالمساواة والتجرد والحيادية والموضوعية.
وكلما زاد ترددك على هيئة القضاء العسكري في قضايا مختلفة متنوعة، زاد
معدل تعرضك وملاقاتك لأمثلة وحالات عديدة تتجلى فيها هذه الازدواجية.
ففي أثناء نظر تحقيقات أحداث فض اعتصام العباسية ـ مايو 2012 ـ فوجئنا
جميعا بصدور قرار من النيابة العسكرية بحبس 12 فتاة مصرية 15 يوما حبسا
احتياطيا على ذمة التحقيق، كان قد تم القبض عليهن بتهمة التجمهر المخالف
للقانون والاعتداء على القوات المسلحة، وبعد صدور القرار الظالم بليل
فوجئنا برجوع النيابة العسكرية عن قرارها وتعديله بإخلاء سبيلهن بدون أي
ضمان مالي.
لم يكن هذا الموقف غريبا بالنسبة لي فقد توقعت صدوره حينها لأني كنت على
مقربة من الحدث بالصدفة، أثناء نظر التحقيقات مع باقي المتهمين والتي امتدت
على مدار يومين متتاليين لم ننم فيها ولم نبرح مقر النيابة العسكرية
وقضينا ليلتها داخلها وفي صباح اليوم التالي ـ السبت 5 مايو 2012 ـ أثناء
حضوري مع أحد المتهمين دخل علينا المحامي/ ممدوح إسماعيل، وكان ساعتها
نائبا في مجلس الشعب الذي تم حله بحكم المحكمة الدستورية في 15 يونيو 2012،
وقام بمصافحة عضو النيابة الذي كان يجري التحقيق وسأله عن قرارات النيابة
التي ستصدر بخصوص الأحداث والمتهمين، فأبلغه عضو النيابة أنه لا يعلم شيئا
وأن الأمر كله بيد السلطات العليا مشيرا إلى رئيس هيئة القضاء العسكري
والمجلس العسكري.
عندها استوقفه المحامي/ ممدوح إسماعيل، ولفت نظره إلى خطورة قرار النيابة
العسكرية الذي صدر بحبس 12 فتاة، وأن هذا القرار سيكون فضيحة للقضاء
العسكري وسيكون مثار اعتراض إعلامي وشعبي كبيرين.
فرد عليه عضو النيابة بقلق ناصحا له أن يصعد إلى أعلى حيث مقر رئيس هيئة
القضاء العسكري ليرجع عن هذا القرار واستدرك في نصحه له بأن يطرح عليه فكرة
إحالة التحقيقات برمتها إلى القضاء المدني.
وانتهى الأمر بخروج ممدوح إسماعيل المحامي من غرفة عضو النيابة متجها إلى
أعلى حيث رئيس الهيئة عبر المصعد، وبعد سويعات قليلة تم إخلاء سبيل الفتيات
من سجن القناطر.
وظل الأمر على هذا المنوال حيث كان يتم إخلاء سبيل من يتم الضغط الشعبي أو
الإعلامي عليه بصرف النظر عن بحث موقفه القانوني في أوراق التحقيقات،
وعانينا أشد المعاناة نحن محامو جبهة الدفاع عن متظاهري مصر أمام أعضاء
النيابات والمحاكم العسكرية في توضيح وجهة نظرنا أن الفقراء هم الذين
يطالهم القانون وأن المحبوسين هم فقط المنسيين والغير مشهورين، وأن العدالة
تتحقق بالمساواة والتجرد وليست العدالة أن تفرج عمن طالب الإعلام أو
الأحزاب أو الجماعات بالإفراج عنه.
وأنه لا عدالة في ظل وجود تدخل من الواسطة والمحسوبية، وأن العدالة عمياء
لا تنظر أو تصنف المتهمين بطبقية حسب ملبسهم وشكلهم ومظهرهم الخارجي.
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى سيظل حكم القضاء العسكري قضاء وقدرا، وليس حكما
يبنى على الأسباب المنطقية والأدلة القانونية العقلية، وستظل إجراءاته
مثار شك بعيدة عن الشفافية والنزاهة والاستقلال.
وللحديث بقية..
-----------------
لقراءة المقال على موقع بيت الحوار اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثانية إضغط هنا
لقراءة الحلقة الأولى إضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق