عندما
تخطو بقدمك عتبة بوابة النيابة العسكرية بالحي العاشر بمدينة نصر وتدخل
حيز الوجود العسكري الممتد حقيقة بعد الثورة من أقصى البلاد إلى أقصاها
وتقترب أكثر وأكثر لتدخل الدائرة المركزية لوجود القضاء العسكري تدخل سريعا
في نفسك بمجرد اقترابك كل الأحاسيس الطاردة والمضادة للحرية والحياة وتحس
بأنك دخلت السجن بقدميك وبإرادتك.
على الرغم من أن دخولي للنيابة العسكرية كان لواجب الدفاع عن المحاكمين
أمامها ضمن فريق محامي جبهة الدفاع متظاهري مصر إلا أن إجراءات التفتيش
التي كانوا يمارسونها علينا والتحفز المبالغ فيه ضد كل من ينتمي إلى الثورة
أو حقوق الإنسان يجعلك تتوقع وتتأكد من أنك دخلت مكانا ليس للحرية فيه
مكان أو متنفس.
لا أتذكر عدد المرات الكثيرة التي تعرضنا فيها لمضايقات ومشاكسات من أعضاء
النيابة العسكرية أو أعضاء المحكمة العسكرية أنفسهم أو من المحامين
المنتدبين من قبلها الذين تعودوا على أن مهنة المحاماة "سبوبة" أو "مصلحة"
وليست رسالة وقيمة.
مشهد المتهمين المصابين الذي تعرضوا لمختلف أنواع الإنتهاكات والتعذيب
والتعدي من قبل القائمين بالقبض عليهم في الاشتباكات لا ينسى ولا يقبل
رؤيته أي قلب به بعض الرقة.
أذكر عندما وقفت مدافعا عن "علي غنيم" أثناء التحقيق معه أمام النيابة
العسكرية في أحداث تضامنه هو وزملائه مع المعتقلين في أحداث العباسية ـ
بالتظاهر أمام مبنى النيابة العسكرية، كيف أعطى "علي غنيم" ساعتها درسا
لعضو النيابة العسكرية في السياسة والثورة وكيف أذعن له عضو النيابة مستمعا
ومنصتا كتلميذ يتلقى تعاليم استاذه، رغم ما كان يعانيه "علي غنيم" وقتها
من أوجاع إصابته التي حدثت به من تعدي أفراد القوات المسلحة الغاشمين عليه
هو وزملائه.
أتذكر أيضا أثناء نظر قضية باسم محسن في المحكمة العسكرية بالسويس التي
كان لي الشرف بالدفاع عنه فيها وعندما وقف أحد شهود النفي ليدلي بأقواله
أمام المحكمة وقال أن: "باسم قد قبض عليه أثناء وقوفه أمام النيابة
العسكرية ضمن مجموعة كانت تطالب بالإفراج عن المعتقلين" واندهش القاضي
العسكري حينها من لفظة "المعتقلين" وقرر أن يصحح للشاهد أن الذين يحاكمون
أمام المحكمة العسكرية ليسوا معتقلين وأن هذه اللفظة خطأ .. كان في يقين
وعقيدة القاضي العسكري حينها أنه يطبق القانون وأن المتهم الذي يحاكم امامه
يحاكم طبقا للقانون لكنه لم يلفت نظره أنه أمام قضاء استثنائي ظالم ليس
مستقلا ولا يحوز أي ضمانة من ضمانات العدالة .. لم يصل لوجدان هذا القاضي ـ
هذا إن جاز تنصيبه منصب القضاء أصلا ـ أن الحقيقة في المحاكمات العسكرية
غائبة وأن أدلة الإثبات معدومة ومع ذلك يحكم بحبس وسجن من لم يثبت عليه
الدليل، وغاب عنه أن القرار يرجع لوزارة الدفاع وأن الحكم يراجع أمام ضابط
أعلى يسمى بالضابط المصدق لا يشترط فيه أن يكون قاضيا، لذلك لم يدرك أن
المتهم أمام القضاء العسكري معتقلا وليس متهما طبقا لقواعد العدالة
والإنصاف.
أتذكر وأنا أضحك شعار القضاء العسكري المكتوب على جدار المبنى من الداخل
"عدالة سريعة مؤكدة" لأنني لم أجد طوال رحلتي كمدافع أمامه أي عدالة ولا أي
تأكيد لكنني كنت أحس دائما بالسرعة التي وصلت إلى محاكمة المتهمين من غير
دفاع حقيقي وأن الجلسات كانت تأجيلاتها باليوم أو اليومين على الأكثر.
وللحديث بقية
------------
لقراءة المقال على موقع بيت الحوار اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق