- يرى الأمور بعكسها ، يخيل إليه أنه مشوش الذهن ، يجري خلف يمامته ليعطيها بعض الحَب .ـ
- تتدلل يمامته عليه ، تعرف أنه سيجري وراءها لأنه لا يستطيع أن يستغني عنها ، تزيد في تدللها فتطيـــر عاليا ، وتغيب إلى الأبد عن ناظريه .ـ
- ((يوم قولت اااااااااااااااه ، سمعونى قالوا: فسد ، ده كان جدع، رديت على اللايمين انا وقولت : اااااااااااااااااااه أه لو تعرفوا معنى زئير الاسد))**
- ما زال واقفا على سطح بيته ، يشاهد انحناءات الجدران والبشر ، يتمنى عودة يمامته ، يقبض بيده على بعض الحَب ، ينثرها على رؤوس المارين في الشارع تحته ، ويجلس خلف سور السطح ليتخفى عمن استرقوا النظر لإعلى لكي يشاهدوا عبثه .ـ
- تمتعه اللعبة وتأخذ منه القلق على ضياع طائره .ـ
- (( لا تجبـر الإنسـان ولا تخـيره يكفيه ما فيه مـن عقـل بيحيـره اللـى النهـارده بيطلبه ويشـتهيه هو اللى بكـره ح يشـتهى يغيره !! ))**
- ما زال ينثر الحَب فوق الرؤوس ، فوق المشاعر الكئيبة ، فوق جبال الملل . ما زال يرتدي ثوب تفاهته عله يرجع إلى موطنه الأصلي كعصفور من عصافير الجنة .ـ
- (( خرج ابن آدم من العدم قلت : ياه رجع ابن آدم للعدم قلت : ياه تراب بيحيا ... وحي بيصير تراب الأصل هو الموت و الا الحياه ؟ !!! ))**
- كانت الطفولة التي تركته راحلة من عشرين عاما مرت عليه ، دهسته ، مزقت فيه براءته واحتياجه للهدوء . موت طفولته الجنين الذي لم يستمتع به ، الأحضان التي يتذكر دفء قلب أصحابها ، القبلات التي لا تحمل أغراضا غير أن توصل له رسالة مهمة : أنه ولد مجرم شقي لا يعرف الحزن .ـ
- (( علـم اللوع اضخـم كتاب فى الأرض بس اللى يغلـط فيـه يجيبـه الأرض أمـا الصــراحة فأمـرهـا ســاهل لكن لا تجـلب مـال ولا تصون عرض !! ))**
- ها قد جاء الساحر ونصب طاولته في صحن الميدان الذي يطل عليه الشارع الذي يسكن فيه ، ينزل بسرعة الملهوف على درجات السلم الكبير للبيت ، يركب سور السلم ويتزحلق بخفة الريشة الناعمة في هواء النسيم .ـ
- يركل في طريقه للميدان كل ما يقابل حذائه من حصى ، وعلب وزجاجات فارغة .ـ
- يقف منتبها للساحر ، فيطل عليه ساحره مبتسما رافعا له قبعته ، قائلا : (( أطلب واتمنى ، الدنيا معايا هتصبح جنة )) .
- ينظر إليه وفي وجهه ألف ألف ابتسامة : (( عايز يمامه )).ـ
- (( يا باب يا مقفول ... إمتي الدخول صبرت ياما و اللي يصبر ينول دقيت سنين ... و الرد يرجع لي : مين ؟ لو كنت عارف مين أنا كنت أقول !!! ))**
- يخرج الساحر من قبعته بعض الحَب ويضعه في يده ويخبره أن ينادي على يمامته ، عندها يرد عليه بأن دوره تم ويتبقى دوره ليكمل له أمنيته .ـ
- يقبض على الحَب في يده ، ويدور حول نفسه ، يلف ويلف ويلف ، ويدور دورات مكتملة ، لا يكف عن الدوران ، فيدوخ ويسقط ، لكن رأسه ما زالت تلف كما كانت .
- يقع الحَب من يديه على الأرض الترابية ، لتأتي يمامته من علو لتسكن يده مكان الحَب المنثور.ـ
- --------------------------
- **الأبيات من رباعيات صلاح جاهـين
لحظة الميلاد هي لحظة الإنفصال والابتعاد The whole world must give the moon the chance to show its beauty
الأربعاء، 12 مايو 2010
قبعة الساحر ـ حَبُ منثور
حكايات فلفلة وفجلة
- يحكى أن الأسد رجع بعد رحلة علاج خارجية في إحدى الغابات المتقدمة التكنولوجية ، والتي يعتمد مواطنوها على وجود العدل بينهم ، كعامل مشترك لوجودهم ومشاركتهم حياتهم .ـ
- بعدما استقر على أرض وطنه المستتب الأمن والمحكم السيطرة ، أرسل لوزراءه ومستشاريه في إجتماع عاجل ، أخبر رئيس وزراءه أنه سيناقش أمرا خطيرا لا يحتمل التأجيل .ـ
- في الموعد والمكان المحددين كان الكل منتظرا طلعته المبعككة ، وصورته المرتقة ، سرح بعضهم بخيالاته بعيدا يحاول تهدئة نفسه المرتبكة ، وأخذ البعض يأكل في أذان البعض الأخر رغيا وتهبيلا .؟ـ
- وعلى مقربة منهم كان الببغاء ـ أحد مواطني الغابة المساكين ، واقفا على شجرة التين .ـ
- هب فجأة رئيس الوزراء صاحب السعادة _ الفيل _ على رجل واحدة باسطا خرطومه الطويل رافعا جناحا أذنيه بوضع أفقي عجيب كأنه يؤدي دوره في السيرك وقال :ـ
- أيها الجمع الكريم ، والسادة الكرام ، أود إبلاغم أننا هنا جئنا لنناقش وضع البلاد ، لنكون على بينة من الأمر ، وعلى أهبة الاستعداد .ـ
- سكت الفيل المبروم ، بعد تصريحه المشئوم ، وتناول طرف الحديث وزير المالية القرد ، خفيف الوزن والقد ، وقال :ـ
- زملائي الكرام ، وزراء التجارة والأموال ، أود أن ابلغكم ، أني سوف أفرض ضريبة جديدة ، تكملة لمشواري الذي ابتدأته ، ودوري الذي انتهجته ، فلن أتخلى عن موقفي من جمع النقود ، فقط سأمضي في قراراتي ولن أعود .ـ
- لم ديلك عننا بقى .. يا رب يتعلق منك في شجرة ويتقطع .. "همس الببغاء "ـ
- أخواني الطلبة .. أسف ، أقصد أخواني الوزراء الطيبين ، أنا الحمار الوحشي وزير التعليم ، تعرفونني جيدا ، فقد ملأت الغابة صياحا وتصريحات ، وعرفت بعد عدة جولات وصولات ، أن التعليم في البلاد ، أساسه الضرب والاستعباد، فلا بد أن يرجع زمن السياف والجلاد ، حتى نحظى بشرف تربية الأوغاد .ـ
- حمار .. هيكون إيه يعني .. حمار .. "همس الببغاء مجددا"ـ
- جاء دور ـ وزير الداخلية ـ الثور ، فبلع ريقة المذاب ، وخبط بفردتي القبقاب : يا معشر البقر ، أقصد أيها النجوم والقمر ، جئت اليوم بناءا على الطلب ، لكنني تركت ورائي النار تشتعل في الحطب ، فكفانا قولا وخطب ، وتلخيصا لمراد القول ، فليس لنا غير رئيسنا الأسد ذو القوة والحول ، لكننا حقيقة محاصرين من الثوار والمناهضين ،ـ
- يا ابن التيييييييييييييت .. "صاح الببغاء" ، والتفت حولهم الوزراء .. لكنهم لم يستدلوا على مصدر الصوت .ـ
- رفع الذئب ـ رئيس الديوان ـ حاجبيه ، وأطلق للأمام ناظريه : أيها الجمع الكريم الشهير ، أيها الأشاوس والمغامير ، لا أعلم سببا للجمع واللقاء ، إلا أنني أتوقع من الرئيس الدوام والبقاء ، فادعوا الله معي أن يعطيه الصحة ، وأن يمنن عليه بالصبر وأن يكفيه شر السعال والكحة ، وان يبدله بمرارة غير مرارته ، وشعبا خيرا من شعبه .ـ
- وعلى الفور لهجت ألسنتهم جميعا بالثناء للرئيس ، وبتمديد الحكم في أسوء الأحوال للوريث .ـ
دفتر أحلامي
- دفتر أحلام
- الصحفه الأولى مليانه كلام
- والتانيه كلام ..
- والتالته والرابعه والخمسه كلام ..
- الخمسه وعشرين ملفوفه
- انما ايه م الفاضي .. كلام ..
- الستين ... والميه
- حبة كدب ، وشوية أوهام
- فين الأحلام ؟
- .. اقلب اقلب
- وأقلب وأقلب
- أطلع وأخرج
- مرة أتشقلب
- ميه وسبعين
- ميه وتسعين
- يا سلام يا سلام
- والله يا جماعة
- اجدعها كلام ..
- قلنا م الفاضي
- وعبي يا بكينام ..
- مفضلشي غير صفحة
- خطوه لقدام ..
- اقلبها
- ولا ارجع بحكايتي ..
- ساكت يا حمام ..
- ساكت مدبوح
- زيك يا حمام ..
- (( خطوه مبتضرش
- خطوه لقدام ..))
- اسكت يا حمام ..
- (( خطوه يا دلوعة
- خطوة لقدام
- لا هينفع ليك
- وقفه ولا رجوع
- إمشي لقدام
- اقلب وافتحها
- افتح بسلام ))
- أخر صفحاته
- كتاب الأحلام
- أخر خطواتي
- خطوة لقدام
- أخر صفحاته
- بيضا ومفيهاش
- أيها أحلام
- دفتر أحلامي
- مفيهوش أحلام
- دفتر أحلامي
- خاوي الأحلام
أنا وهي وعمرو أديب
- تأتي إلي كعادتها ، يلف عينيها السواد تعبا وإرهاقا ، تشكي لتحكي ، تسب وتلعن في .
- أعلم أني كثيرا ما أرهقها وكثيرا ما أشبعها نكدا وهما ، لكننا تجمعنا على مصير واحد وفي جسد واحد ، ليس بيننا فكاك إلا موت مقدر سنلقاه أجلا أم عاجلا .
- تبدرني بالشكاية : تعبتني .. غلبتي ، مرمتني .
- أنا : انت هتغني عليه؟
- نفسي : ههههه . وأنت بتسمعني أصلا ، أنت عايش حياتك ومنفضلي .
- أنا : منفضلك ؟! إيه الكلام الأهبل ده .. وبعدين أنت من أمتى بتتكلمي بالأسلوب ده .
- نفسي : إيه أذنبت أنا ، ولا عملت جريمه ؟ متحبسني أحسن ، أكتم على أنفاسي ! أهو ده اللي ناقص كمان .
- كانت تكلمني من مسافه قصيره جدا .. تقف خلف أذني مباشرة . ضايقني اقترابها ، وتهكمها ، فنهرتها وزجرتها شاخطا : وحياة مامتك . ما بلاش أنت النهارده ، متلعبيش في عداد دموعك ، همرمط بكرامتك الأرض .
- نفسي : لا والله حمش ، كبرت عليه أهو وطلعلك صوت . سبحان العاطي الوهاب . غني عليه غني ، يلا أنا سمعاك ؛ أعمل فيها سبع رجالة .
- أنا : يا فتاح يا عليم ، يااااااااااا رب ارحمني .
- نفسي : يا بني متحاولش ، أنا قدرك ونصيبك ، وراك وراك ، ومتستعجلش ع الفراق ، هيجي يوم وتفارقني بس ساعتها مش هيبقى ليك وجود ، يعني من الأخر أنا أساس وجودك كبني أدم . افهم بقى .
- أنا : يا سلام على النباهة ، ده انتي بتطلعي حكم النهارده .
- نفسي : ولسه . انت لسه شفت حاجه .
- أنا : هات ما عندك يا بنت .......... الحلال .
- نفسي : ذاكرني كويس ، أفهمني بقى عشان متتعبنيش ، فضيلي نفسك شويه ، خلي عندك دم وبصلي .
- أنا : زيديني .
- نفسي : متتغمش على حاجه ، الدنيا متستهلش كل ده ، روق كده وعيشها .
- أنا : اللي بعده .
- نفسي : متزقش كده . ومتشخطش فيه .
- أنا : طب أنجزي مش فاضيلك ، ورايا هم ما يتلم .
- نفسي : يعني وراك الديوان يا خي .
- أنا : وانت مال أهلك ، ورايا ايه ؟ أنت مالك .
- نفسي : طيب ما تسمعني حاجه حلوه كده .
- أنا : فطير مشلتت .
- نفسي : خفيف الدم قوي انت . يلطش . سم مكرر .
- أنا : .........................
- نفسي : أنا أسفه . مكنتش اقصد أزعلك .
- أنا : ........................
- نفسي : خلاص بقى ، مقصدتش .
- أنا : .........................
- واختفى حسها ، ولم أحس بأنفاسها القريبه . ولم يعد هناك صوت لها غير ما يتردد بعقلي من صدى أفكارها اللعينة .
- أنا : الحمد لله . خلصت منها ، دي زنانه بشكل يقرف . رغايه ، أنا مش عارف مستحملها ازاي كل ده . لو ينفع أرفع عليها قضية خلع ، كنت ارتحت منها من زمان المؤذية بنت ..........
- فجأة وعلى غير المتوقع أسمع صوتا بخارج غرفتي ، أتجه للصالة مسرعا ، فلا أرى شيئا قد تغير ، كل شيء في مكانه تماما ، لكني لا أستطيع أن أكمل النظر ؛ أفرك عيني بقوة ، أحاول أن أزيل ما يحجب عني النظر ، متجها لغرفتي .
- أفتح التلفاز لأنسى ما حدث ؛ فيظهر لي وجه اللامع ذو الصلعة اللامعه عمرو أديب وهو يقول ببلاهة : الفرخة دي مش أنا اللي بشويها رجاء هيه اللي بتقليها .
- .
- .
- .
- نفسي : لأ ليك حق تتنكد بصراحة . حقك عليه أنا غلطانة
سكة اللي يروح ميرجعش
- فين الألم ،
- فين السكات ويا الندم ،
- فين حسك - الدنيا -
- ودنياك النغم ؟!
- ياللي كتبت النفوس عاليه ومرضيه ..
- هي حكاية شوق ؟
- ولا الدموع هي ؟
- لامس وريد الزعل ،
- والرمش ما نسينا
- قبلك مكاني انشغل ،
- ولا فضيت لينا !
- بشرب حبوب النوم ،
- يا زين مشاريبي
- حسك معايا اليوم ،
- ولا مداري بي
- خلتك شفايف دهب
- وحبستها في قلبي
- خوفي لتصبح عجب
- مني ولا تلبي
الأحد، 14 مارس 2010
بين اللحى والنقاب يتناحر الذباب
اخرج ـ كعادة أهل مهنتي ـ باكراً ، محتسباً ظروف الطريق والمواصلات والزحام والمقدر والمستخبي ـ واللي منعرفوش ـ حاملاً بين يدي حقيبة مملوءة بالهموم والطعون وأحكام القضاء والقدر ، مخلفاً ورائي كل معطيات الأمس ونتائجه .
أركب الميكروباصات عادة والميني باصات غالباً والمترو دائماً والأتوبيسات المكيف منها والمميز والعادي أحياناً والتاكسيات عاجلاً متعجلاً ، وليس ذلك ترفاً مني أو ـ قنعرة ـ وفخراً كاذباً ، ولكن من لسعته الشوربة وجب عليه أن ينفح في سلطانية الزبادي .
أي نعم فالسرقة حدها في الشريعة الإسلامية قطع اليد ، وفي القانون الحبس إن كانت جنحة بسيطة أو السجن إن اتصل بها ظرف مشدد كالإكراه أو أن تكون قد تمت في جنح الليل المظلم ، بل إنها إن كانت كذلك ، فإنها قد تبيح القتل كرد فعل طبيعي شرعي للدفاع عن المال كحالة الدفاع عن النفس أو عن العرض والشرف .
ولك يا سيدي أن تمنح نفسك كل الحيطة والحذر إن كنت من ركاب الأتوبيس الدائمين ، فلن تنجو في إحد المرات من سطو غير شرعي على ممتلكاتك الظاهرة والباطنة ، وإن كنت يا قارئي أنثى حسيبة النسب والأصل ، فلن تفلتي من سطو على ما هو أغلى وأثمن ولن تجديك في هذا الأمر أي حصانة أو مناعة .
ما علينا .. ولأنني هنا لست بصدد الحديث عما سبق ذكره ، لكنه هكذا الحديث دائماً يتبع بعضه بعضه .
المهم يا أخوتي الأعزاء ، ألتقي أثناء ركوبي الميكروباص شخصاً لم ألقه منذ شهور ، فتى وسيماً ، يبلغ من الأعوام بعد العشرين بسنتين ، حاصلاً على مؤهل متوسط ، يلبس لباساً إفرانجياً ـ تي شيرت وبنطال من الجينز ـ ذو لحية ظاهرة ، ونظارة عدساتها مقعرة ، منزوياً في ركن بالكرسي قبل الأخير ، أسلم عليه وأجلس جانبه ، نتسابق كلانا لدفع الأجرة فيدفع للراكب الذي يجلس أمامنا بيده اليمنى ممسكاً يدي بيده اليسرى رافضاً أن أدفع بدلاً عنه .
نتشاطر أطراف الحديث ، بعد السؤال عن الصحة والأحوال ، يسألني عن وجهتي ومكان قصدي فأخبره أنني ذاهب إلى محكمة مصر الجديدة الجزئية ، فيبتسم معرباً عن سعادته أنه سيستقل الترام معي مكملاً مشواره ذاهباً لمقر عمله بشارع هارون بمصر الجديدة .
هذه المرة أسبقه فأسدد نيابة عنه أجرة ركوبه الترام الحلزوني اللولبي ، ويستطرد معي حديثه ليخبرني عن فشله في خطبته ، فاسأله عن السبب ، ليجيبني بأنها تخلت عما كانا قد اتفقا عليه رافضة ارتداء النقاب ، أقول له : طيب مش انت عرفتها من غير نقاب ؟ طيب ليه عايز تفرض عليها ده ، فيجيب : ايوه بس احنا اتفقنا انها تلبسه قبل ما نتجوز ، وقولتلها إنها لو لبسته وفضلت وكملت معاكي يبقى إحنا كده كويسين ، ولو محصلشي نصيب يبقى إنت كده استفدتي بإنك إلتزمتي .
سيطرت علي وهلة من الصمت وعقدت حاجبي في استغراب سائلاً إياه : طيب يا ابني ما هي وافقت وهيه مش عايزة ، وبعدين رجعت في كلامها إيه المشكلة يعني ، هوه النقاب ده هوه اللي هيخليكوا سعدا .
قال لي : يا باشا ما هو انت مش فاهم ، قلت له : مش فاهم ايه بالظبط ، قال لي : مش فاهم إنها لو لبست النقاب ده مش هتعرف تخلعه ، قلت له مازحا ً : ليه ؟ هوه بيتلبس مرة واحدة بس وبيتخيط عليها ؟ تصدق كنت فاكره بسوسته !
رد علي غاضباً : يا باشا النقاب ده لو الواحدة لبسته وبعدين جت قلعته ، يبقى حتحس إنها عريانه قدام الناس ، كأنها مش لابسه حاجه خالص ، ضحكت عجباً واستغرابا وقلت له مستفسراً عن السر ومستفزاً له : ليه ؟ هوه بيلزق في الهدوم اللي تحته ولما الواحدة بتقلعه بيطلع بيها .
زاد غضبه لكنه لم يفقد احترامه لي قائلاً : اسأل الشيوخ اللي تعرف ، هيقلولك كده ، اسالهم وانت تعرف . قلت له : من غير ما أسأل ، انت برده سبتها ليه ؟ النقاب هو السبب الوحيد ، رد علي وقال لي : بص يا باشا هيه قالتلي مش هلبس نقاب أنا هلبس اسدال ، لكن أنا قلتلها لأ ، أصل الإسدال ممكن تقلعه لكن النقاب لأ ، يا باشا أمها زانه في دماغها ، هخليها تنفعها ، أنا هروح عند أخوان طيبين ، وأشوفلي أخت كويسه منقبة ، وأشوفها الرؤية الشرعية ، مهو لازم الواحدة تكون جميلة برده ، مش هاخد على عمايا كده ، وهيه ـ يقصد خطيبته السابقة ـ خلي أمها تنفعها ، إحنا بصراحة كنا بنحب بعض ، بس أنا مينفعنيش تلبس بناطيل ، والوش يا باشا لازم يتغطى ، أيوه لازم يتغطى .
أسرح في خيالاتي مبتعدا بأفكاري عن كلماته الحمقاء ، لكنه يفاجأني قائلا : المحكمة ، يلا انزل يا باشا المحكمة جت .
أنزل من الترام متوجها إلى مكتب شئون الاسرة بمحكمة الأسرة لأحضر مع زوج ملتحي في نزاع شرعي ضد زوجته المنقبة ، أمام خبيرين نفسي وإجتماعي لمعالجة المشكلات الأسرية قبل رفع النزاع إلى المحكمة في حالة عدم التوفيق بين المتاخصمين .
تتوالى الإتهامات على موكلي الزوج ذو اللحية الكثيفة من زوجته المنقبة بأنه لا ينفق عليها وعلى أولادها ، وأنه دائم التعرض لها بالضرب والسب ، وتستمر في إلقاء الإتهامات مؤيدة كلامها بحلف يمين الله على صدق كلامها وأقوالها
يرد الزوج عليها إدعاءاتها حالفاً بالله مشهداً الحاضرين على كذبها .
أتركهم منصرفاً ، رافضاً الجلوس ، تاركا الأمر لله ، فهو الحسب وهو نعم الوكيل .
أركب الميكروباصات عادة والميني باصات غالباً والمترو دائماً والأتوبيسات المكيف منها والمميز والعادي أحياناً والتاكسيات عاجلاً متعجلاً ، وليس ذلك ترفاً مني أو ـ قنعرة ـ وفخراً كاذباً ، ولكن من لسعته الشوربة وجب عليه أن ينفح في سلطانية الزبادي .
أي نعم فالسرقة حدها في الشريعة الإسلامية قطع اليد ، وفي القانون الحبس إن كانت جنحة بسيطة أو السجن إن اتصل بها ظرف مشدد كالإكراه أو أن تكون قد تمت في جنح الليل المظلم ، بل إنها إن كانت كذلك ، فإنها قد تبيح القتل كرد فعل طبيعي شرعي للدفاع عن المال كحالة الدفاع عن النفس أو عن العرض والشرف .
ولك يا سيدي أن تمنح نفسك كل الحيطة والحذر إن كنت من ركاب الأتوبيس الدائمين ، فلن تنجو في إحد المرات من سطو غير شرعي على ممتلكاتك الظاهرة والباطنة ، وإن كنت يا قارئي أنثى حسيبة النسب والأصل ، فلن تفلتي من سطو على ما هو أغلى وأثمن ولن تجديك في هذا الأمر أي حصانة أو مناعة .
ما علينا .. ولأنني هنا لست بصدد الحديث عما سبق ذكره ، لكنه هكذا الحديث دائماً يتبع بعضه بعضه .
المهم يا أخوتي الأعزاء ، ألتقي أثناء ركوبي الميكروباص شخصاً لم ألقه منذ شهور ، فتى وسيماً ، يبلغ من الأعوام بعد العشرين بسنتين ، حاصلاً على مؤهل متوسط ، يلبس لباساً إفرانجياً ـ تي شيرت وبنطال من الجينز ـ ذو لحية ظاهرة ، ونظارة عدساتها مقعرة ، منزوياً في ركن بالكرسي قبل الأخير ، أسلم عليه وأجلس جانبه ، نتسابق كلانا لدفع الأجرة فيدفع للراكب الذي يجلس أمامنا بيده اليمنى ممسكاً يدي بيده اليسرى رافضاً أن أدفع بدلاً عنه .
نتشاطر أطراف الحديث ، بعد السؤال عن الصحة والأحوال ، يسألني عن وجهتي ومكان قصدي فأخبره أنني ذاهب إلى محكمة مصر الجديدة الجزئية ، فيبتسم معرباً عن سعادته أنه سيستقل الترام معي مكملاً مشواره ذاهباً لمقر عمله بشارع هارون بمصر الجديدة .
هذه المرة أسبقه فأسدد نيابة عنه أجرة ركوبه الترام الحلزوني اللولبي ، ويستطرد معي حديثه ليخبرني عن فشله في خطبته ، فاسأله عن السبب ، ليجيبني بأنها تخلت عما كانا قد اتفقا عليه رافضة ارتداء النقاب ، أقول له : طيب مش انت عرفتها من غير نقاب ؟ طيب ليه عايز تفرض عليها ده ، فيجيب : ايوه بس احنا اتفقنا انها تلبسه قبل ما نتجوز ، وقولتلها إنها لو لبسته وفضلت وكملت معاكي يبقى إحنا كده كويسين ، ولو محصلشي نصيب يبقى إنت كده استفدتي بإنك إلتزمتي .
سيطرت علي وهلة من الصمت وعقدت حاجبي في استغراب سائلاً إياه : طيب يا ابني ما هي وافقت وهيه مش عايزة ، وبعدين رجعت في كلامها إيه المشكلة يعني ، هوه النقاب ده هوه اللي هيخليكوا سعدا .
قال لي : يا باشا ما هو انت مش فاهم ، قلت له : مش فاهم ايه بالظبط ، قال لي : مش فاهم إنها لو لبست النقاب ده مش هتعرف تخلعه ، قلت له مازحا ً : ليه ؟ هوه بيتلبس مرة واحدة بس وبيتخيط عليها ؟ تصدق كنت فاكره بسوسته !
رد علي غاضباً : يا باشا النقاب ده لو الواحدة لبسته وبعدين جت قلعته ، يبقى حتحس إنها عريانه قدام الناس ، كأنها مش لابسه حاجه خالص ، ضحكت عجباً واستغرابا وقلت له مستفسراً عن السر ومستفزاً له : ليه ؟ هوه بيلزق في الهدوم اللي تحته ولما الواحدة بتقلعه بيطلع بيها .
زاد غضبه لكنه لم يفقد احترامه لي قائلاً : اسأل الشيوخ اللي تعرف ، هيقلولك كده ، اسالهم وانت تعرف . قلت له : من غير ما أسأل ، انت برده سبتها ليه ؟ النقاب هو السبب الوحيد ، رد علي وقال لي : بص يا باشا هيه قالتلي مش هلبس نقاب أنا هلبس اسدال ، لكن أنا قلتلها لأ ، أصل الإسدال ممكن تقلعه لكن النقاب لأ ، يا باشا أمها زانه في دماغها ، هخليها تنفعها ، أنا هروح عند أخوان طيبين ، وأشوفلي أخت كويسه منقبة ، وأشوفها الرؤية الشرعية ، مهو لازم الواحدة تكون جميلة برده ، مش هاخد على عمايا كده ، وهيه ـ يقصد خطيبته السابقة ـ خلي أمها تنفعها ، إحنا بصراحة كنا بنحب بعض ، بس أنا مينفعنيش تلبس بناطيل ، والوش يا باشا لازم يتغطى ، أيوه لازم يتغطى .
أسرح في خيالاتي مبتعدا بأفكاري عن كلماته الحمقاء ، لكنه يفاجأني قائلا : المحكمة ، يلا انزل يا باشا المحكمة جت .
أنزل من الترام متوجها إلى مكتب شئون الاسرة بمحكمة الأسرة لأحضر مع زوج ملتحي في نزاع شرعي ضد زوجته المنقبة ، أمام خبيرين نفسي وإجتماعي لمعالجة المشكلات الأسرية قبل رفع النزاع إلى المحكمة في حالة عدم التوفيق بين المتاخصمين .
تتوالى الإتهامات على موكلي الزوج ذو اللحية الكثيفة من زوجته المنقبة بأنه لا ينفق عليها وعلى أولادها ، وأنه دائم التعرض لها بالضرب والسب ، وتستمر في إلقاء الإتهامات مؤيدة كلامها بحلف يمين الله على صدق كلامها وأقوالها
يرد الزوج عليها إدعاءاتها حالفاً بالله مشهداً الحاضرين على كذبها .
أتركهم منصرفاً ، رافضاً الجلوس ، تاركا الأمر لله ، فهو الحسب وهو نعم الوكيل .
الخميس، 11 مارس 2010
فناء
منتهى الإدراك أن تتلفظ بالتوبة حينما تمتلئ كأسك بالأثام ، وتتجلى على إثرها فيك رغبتك للتخلص منها ، تكون قد تجرعت من ذات الكأس التي تعرف مذاق ثمالتها معرفة الخبيريبن المجربين । لن تنجو ـ صدقني ـ مما سيعلق بلعابك من طعم مرير ، ولا يملأ حلقك غير الجفاف ।لن تطعم بعدها طعاما ـ خوفا من إختلاط ذلك الإحساس بالحواس ॥ فهي الحواس ليس لها الفكاك من براثن دوام الأثر القديم للجرح النازف من جفاف جوفك وغباء نزواتك ।لن تجديك الذكريات ॥ ولن تنفعك ما حملت من تذكارات ॥ فكلها تقبع حولك ساكنة بل إن وجودها يثير حنقك أكثر فأكثر ، فما أقسى أن تتذكر ليلات القرب وأنت في مجاهل البعد السحيق ।هذه اللظى ॥ وهذه الجحيم المستعرة التي تنبعث من عقلك الأن ما هي إلا عود ثقاب ظللت تحافظ على شعلته الرقيقة دائما كي يكون هديا لك وقربانا للظلام الذي لم يتبدد رغم استمرارك في الحرص وحرصك على الاستمرار ।معادلاتك الخيالية الخائبة التي بنيتها على أساس مذبذب كانت في حاجة لعامل حفاز مؤثر لكي تعطيك نتاجا مرضيا ॥ ووقتما كان لك الحصول على المحفز القوي كان يتوجب عليك إختيار موادك الكيميائية بعناية الخوف من الموت لا بحب البقاء .كان عليك وجوب اتباع التعليمات لا أن تبتكر الخرافات ، فمن ذا الذي وضع بقلبك أن لهيب النار يرضى اختلاطه بقطر الماء ، أو أن ذرات التراب تسعى للسكن خلف أبواب الرياح .كلها همهمات ॥ هي أضغاث أحلام ليس لنا فيها التأويل ، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ।هي التي تلف لتدور ، وأنت الذي تقف لتثبت ، هي التي تسافر لتتخطى وتعبر ، وأنت الذي تنعقد من حولك سلاسلا لتصنعك صنما زجاجيا ليس له لون ॥ ليس له جوف ॥ ليس له روح ।إنهرت كما إنهارت دموعك إثر زوال شمس غرورك ، وأطبقت شفتيك واجما كما أطبقوا شفاههم حزنا على ذوبان روحك الساخرة ।حُملت أكثر مما تطيق عوضا عن فقدك ما كنت في رحابه تشتاق وما كنت في حضوره أروع وأجمل وأكمل تقربا منك إلى الفناء الغادر
---------------------------
وللحديث بقية تأتي
الخميس، 25 فبراير 2010
تقاطيع المشمش ـ قصة قصيرة ـ عمل مشترك
نفس المكان ,لحظات اخرى ترسم طريقها الى الواقع و نفس المسافة الرمادية التى تفصله عن نفسه ."انته غاوى تعب " . جالس فوق سلة المهملات المقلوبة يتابع العصافير تدخل الحجرة لا تجد فيها حبا - تخرج بسرعة - . يسرع باغلاق النافذة حتى لا تدخل عصافير اخرى فتصاب بالاحباط."النهارده يوم جديد..". يبدأ في النظر إلى ساعة حائطه التي اعتراها تراب الزمن فما عادت تدق .منتظرا في قرارة نفسه أن تقع في أي لحظة .
كان يحس قديما في دقاتها نشاطه الذي يبعثه فيه حركات عقرب ثوانيها السريعة
مالت هي كما مال حظه المنهك ، واستشرت فيها مخلفات سكن عنكبوت عاش حياة قصيرة قديمة .
يركض بداخله خلف هذه التأثيرات الرمادية شعوره الدائم بأنه بحظ متعب قد فقد فيه جلاله واستقامته وأحلامه الفاشلة .
مازال مصرا أن السبب منه ، وأن دورات حوادث الكون لا تتحرك في داخل حجرته الضيقة تلك والتي تكتسي بلون رتيب باهت لم يجدد منذ حركات لا متناهية من عقرب الساعات بساعة حائطة المهملة
يعبث بخصلات شعره الأشعث المعقود بلفات متناقضه تنبئ عن فكر قد تراخى من كثرة الاستعمال خارج إطارته الشرعية .
يتذكر أنه لم ينظر في مرآة نفسه المتكسرة من خبطات قاضيات للزمن المسيطر مرددا اللعنات المكبوتات داخله لواقعيته المرة الطعم " الشركة استغنت عن خدماتك ... انته ما سمعتش ولا ايه؟".
فى غفلة من ذاته قرر أن يتحداها كما كان يفعل ...إمتدت أناملة بإرتعاشه و فتحت دولاب ملابسه ليقف عاريآ أمام مرآة ذاته ..بهتته المفاجأة لتصدر زفرة حارة مختلطة بأه طويلة ..كل تلك السنين إختزلتها ملامحة لترسم أخاديد على وجهه المتعب من كثرة الإهمال أو من كثرة التفكير فكلاهما دمرة و لم يبقي له شيئآ من ذاته سوى صورة متواضعة لشاب مبتسم سعيد فى مقتبل العشرين يعلقها على ضرفة الدولاب...
إرتطم الدولاب محدثآ دويآ أيقظة و كان الدولاب نفسة يعلن تمرده على إستسلامة و يأبى الخضوع لذلك الشعور الطاغي بالإنكسار و الهزيمة الذى يغلف الغرفة بضباب سام .......................
ألقى بجسدة المرهق المستنزف على السرير ..أغمض عينيه يستجدى بقايا أحلام تكسرت على شطئان وحدته فى معارك أعلن هو إنهزامة لخجلة من المبادرة و خوضها .مازال يذكر جيدآ شجرة المشمش التى كانت تلقي بظلالها على الحديقة ...
لم تتخل أمه مرة عن أن تودعه سريره في براح الحديقة معلقا بأذرعة شجرة المشمش تلك . كان ينتمي لتلك الشجرة وتنتمي إليه ، يركض أول رجوعه من خارج البيت ليقبل جزعها .
..تذكر ذاك الصبي الصغير الذى كان يركض فى حديقة المنزل محدثآ دويآ و حياة ..سافرت ذكرياته إلى صبي فى السابعة يحمل ذات التقاطيع و الإسم يقف على إستحياء ينظر إليها بفضول و دهشة ..فتاة فى الخامسة تلعب الريح بضفيرتها الطويلة تحمل عروسة صغيرة و تجلس على درجات السلم تلعب بهدوء و تسترق نظرات إلية ..سمع والدته تناديه من التراسينه و تطلب منه اللعب مع ملك جارتهم الجديدة ...أغمض عينيه بقسوة من يطرد الحلم و يدمر الذكريات بقبضة يده ..
" قولى طعم المشمش بتاع شجرتكم حلو؟"
"مش عارف "
"ازاى"
" مادقتوش"
لم يذق طعم المشمش .. فقط اكتفى بان يتامل تقاطيعه
يا لها من تقاطيع رسمت على قلبه منذ كان رضيعا ، كان دائما ما يتسلقها ومعه كتابه المدرسي ليقضي أغلب النهار هناك عالقا بفروعها ومتعلقا بحنانها المشمشي
يرى وهو في علوه من فوق الشجرة حبيبته ملك وهي تنادي عليه من تحته وتحذره من أن تزل قدمه أو أن يحترس من أن يفقد توازنه .
إلا أنه كان دائم التورط في إثارة خوفها عليه أو قلقها من مشاكساته التي دائما ما تنتهي من تفاوض معها على النزول من علو الشجرة إلى ثبات الأرض. تجلس بجوارة تحت الشجرة تحدثه عن حلمها " لما اكبر حكون مدرسة زى ماما واتجوز اجيب ولد وبنت" و هو مستسلم لإيقاع صوتها الرقيق ..تلامست أناملهما بحركة خاطفة مودعة و هى تركب السيارة و ترحل بعيدآ ..لم يشعر بدموع ساخنة تنساب عى وجهه لتغسل بقايا حلم ..
لكنه جلس تحت الشجرة تصرف بلامبالاة كأنه لم يراها و لم يحلم بتلك اللحظات التى سيعترف لها بمشاعرة ....
إبتسم بأسى و هو ينظر إلى سقف الغرفة الرمادية
********************************
*********************************
فكرة وبداية ومونتاج وإخراج : حسين الخياط
مؤثرات وإضافات وإدراة إنتاج : لينــــا نابلسي
مشاركة متواضعة : أحمد حشمت
كان يحس قديما في دقاتها نشاطه الذي يبعثه فيه حركات عقرب ثوانيها السريعة
مالت هي كما مال حظه المنهك ، واستشرت فيها مخلفات سكن عنكبوت عاش حياة قصيرة قديمة .
يركض بداخله خلف هذه التأثيرات الرمادية شعوره الدائم بأنه بحظ متعب قد فقد فيه جلاله واستقامته وأحلامه الفاشلة .
مازال مصرا أن السبب منه ، وأن دورات حوادث الكون لا تتحرك في داخل حجرته الضيقة تلك والتي تكتسي بلون رتيب باهت لم يجدد منذ حركات لا متناهية من عقرب الساعات بساعة حائطة المهملة
يعبث بخصلات شعره الأشعث المعقود بلفات متناقضه تنبئ عن فكر قد تراخى من كثرة الاستعمال خارج إطارته الشرعية .
يتذكر أنه لم ينظر في مرآة نفسه المتكسرة من خبطات قاضيات للزمن المسيطر مرددا اللعنات المكبوتات داخله لواقعيته المرة الطعم " الشركة استغنت عن خدماتك ... انته ما سمعتش ولا ايه؟".
فى غفلة من ذاته قرر أن يتحداها كما كان يفعل ...إمتدت أناملة بإرتعاشه و فتحت دولاب ملابسه ليقف عاريآ أمام مرآة ذاته ..بهتته المفاجأة لتصدر زفرة حارة مختلطة بأه طويلة ..كل تلك السنين إختزلتها ملامحة لترسم أخاديد على وجهه المتعب من كثرة الإهمال أو من كثرة التفكير فكلاهما دمرة و لم يبقي له شيئآ من ذاته سوى صورة متواضعة لشاب مبتسم سعيد فى مقتبل العشرين يعلقها على ضرفة الدولاب...
إرتطم الدولاب محدثآ دويآ أيقظة و كان الدولاب نفسة يعلن تمرده على إستسلامة و يأبى الخضوع لذلك الشعور الطاغي بالإنكسار و الهزيمة الذى يغلف الغرفة بضباب سام .......................
ألقى بجسدة المرهق المستنزف على السرير ..أغمض عينيه يستجدى بقايا أحلام تكسرت على شطئان وحدته فى معارك أعلن هو إنهزامة لخجلة من المبادرة و خوضها .مازال يذكر جيدآ شجرة المشمش التى كانت تلقي بظلالها على الحديقة ...
لم تتخل أمه مرة عن أن تودعه سريره في براح الحديقة معلقا بأذرعة شجرة المشمش تلك . كان ينتمي لتلك الشجرة وتنتمي إليه ، يركض أول رجوعه من خارج البيت ليقبل جزعها .
..تذكر ذاك الصبي الصغير الذى كان يركض فى حديقة المنزل محدثآ دويآ و حياة ..سافرت ذكرياته إلى صبي فى السابعة يحمل ذات التقاطيع و الإسم يقف على إستحياء ينظر إليها بفضول و دهشة ..فتاة فى الخامسة تلعب الريح بضفيرتها الطويلة تحمل عروسة صغيرة و تجلس على درجات السلم تلعب بهدوء و تسترق نظرات إلية ..سمع والدته تناديه من التراسينه و تطلب منه اللعب مع ملك جارتهم الجديدة ...أغمض عينيه بقسوة من يطرد الحلم و يدمر الذكريات بقبضة يده ..
" قولى طعم المشمش بتاع شجرتكم حلو؟"
"مش عارف "
"ازاى"
" مادقتوش"
لم يذق طعم المشمش .. فقط اكتفى بان يتامل تقاطيعه
يا لها من تقاطيع رسمت على قلبه منذ كان رضيعا ، كان دائما ما يتسلقها ومعه كتابه المدرسي ليقضي أغلب النهار هناك عالقا بفروعها ومتعلقا بحنانها المشمشي
يرى وهو في علوه من فوق الشجرة حبيبته ملك وهي تنادي عليه من تحته وتحذره من أن تزل قدمه أو أن يحترس من أن يفقد توازنه .
إلا أنه كان دائم التورط في إثارة خوفها عليه أو قلقها من مشاكساته التي دائما ما تنتهي من تفاوض معها على النزول من علو الشجرة إلى ثبات الأرض. تجلس بجوارة تحت الشجرة تحدثه عن حلمها " لما اكبر حكون مدرسة زى ماما واتجوز اجيب ولد وبنت" و هو مستسلم لإيقاع صوتها الرقيق ..تلامست أناملهما بحركة خاطفة مودعة و هى تركب السيارة و ترحل بعيدآ ..لم يشعر بدموع ساخنة تنساب عى وجهه لتغسل بقايا حلم ..
لكنه جلس تحت الشجرة تصرف بلامبالاة كأنه لم يراها و لم يحلم بتلك اللحظات التى سيعترف لها بمشاعرة ....
إبتسم بأسى و هو ينظر إلى سقف الغرفة الرمادية
********************************
*********************************
فكرة وبداية ومونتاج وإخراج : حسين الخياط
مؤثرات وإضافات وإدراة إنتاج : لينــــا نابلسي
مشاركة متواضعة : أحمد حشمت
الأحد، 14 فبراير 2010
من تحت لـ فوق
ولا يهم البعاد أصله ولا فصله
ولا يهم السهاد حجمه ولا رسمه
ولا يكون في الكتاب كاتب
ولا تلاقي عليه اسمه
عشان تبقى الحكاوي كتير
وتملاها شكاوى الغير
ويتمكن من ساعاته ، يطير
ويرسم في الهوا كسمه
000
عليك واحد
ومش طيب ولا جاحد
ولا راخي ولا شادد
في عمره من زمان وصفه
تصقفله على الأحزان
وتهتفله على الفاضي
وع المليان
وتندهله توشوشله
وتسرق من عنيه حسمه
000
ويبقى في الجراح مدبوح
تطبطبله
وتسمعله
وتنعشله أماني الروح
تمرجحله
عذاب قلبه وتسمحله
يسابق في السكات عزمه
الجمعة، 15 يناير 2010
النبي إيليا وصراعه مع الرب في الجبل الخامس
أولا : ملاحظات عامة على الأسلوب الروائي لـ ( باولو كويليو ) :
ـ يعتمد باولو كويليو على مرجعية دينية يستند عليها وتظهر في إلقائه للقارئ بعض أيات من التوراة والإنجيل طوال صفحات رواياته .
ـ يركز كويليو دائما على الصراعات النفسية التي تحدث داخل الإنسان الباحث عن هوية حقيقية في عالمه ، ذلك الإنسان المحاط بصعوبات وإضطرابات تحدث نتيجة الإرادة السلبية فيه ، أو نتيجة ما يحايط به من شخوص وأشياء وأحداث وقوى خارجية .
ـ دائما ما يسري في أبطاله الموجودين داخل رواياته أسرارا مكتومة وأنوارا مختفية داخل أنفسهم ، لا تظهر إلا إذا تنبه لها بطل الرواية وبحث عنها ، حتى عندما استخدم البطل " النبي " والذي ينبغي أن يكون مؤيدا من قبل الرب بمعجزات تيسر له العصيب من الأمور ، وتذلل له الصعاب ، كان هناك طوال الوقت مواقفا ينبغي فيها على النبي أن يستخدم بشريته وأفكاره وعقله دون مساعدة المدد المرسل من الرب المتمثل في صورة الملاك .
ـ يعتمد كويليو في أغلب رواياته التي قرأتها (*)على ذكر بعض أبطاله الموجودين في روايات أخرى له ، وكأنه يريد أن يكون لقارئه الخاص به خلفية لا تكتمل إلا بقراءة باقي الروايات الأخرى ، ليرسم صورة كلية غير الصورة الجزئية المكتملة في مخيلة القارئ العادي الذي لم يقرأ باقي رواياته ، ويجدر الإشارة أن اعتماده على ذكر أجزاء أو أبطال من روايات أخرى له في خضم الأحداث الموجودة بإحدى الروايات لم تخل بالمحتوى العام لها وكذلك لم يخل بالاحداث إن استقطعنا هذا الجزء المرجعي المأخوذ من إحدى رواياته .
ـ على الأغلب فإن الهدف الذي يبعثه كويليو في نفوس قارئيه عبر رواياته هو هدف مكرر ورسالة معلومة للجميع من قبل ، إلا أن هذا لم ينزع من رواياته جميعا الروح التي تبقيك مندهشا ومتتبعا ومشتاقا لمعرفة مجرى الأحداث والتفاصيل من البداية للنهاية .
ثانيا : لماذا اخترت الحديث عن رواية الجبل الخامس (**) دون باقي الروايات الأخرى ؟
على الرغم من إعجابي بكتابات باولو كويليو الروائية جميعها ، إلا أن أشد ما أثار إعجابي برواية الجبل الخامس هو اختيار كويليو لبطل الرواية تحديدا ، حيث تناول كويليو الجزء البشري الخالص للنبي (إيليا) بصورة عميقة جدا فسرت لدي بعض الأمور التي تغيب عنا في واقعنا الحاضر من حيث مفهوم النبي ، خاصة من الناحية ووجهة النظر الدينية البحتة ، التي تنظر للأنبياء جميعا بشيء عظيم من الوقار والعلو مما يمتنع معه البحث في تفصيلات حياتهم بشكل يؤهلك لاستخلاص نتائج منطقية تجدي للتطبيق على أرض الواقع الإجتماعي المحيط .
وبناء عليه فإن ما أثاره كويليو من وجود الصراع الربوبي البشري والمكرر دائما طوال أحداث الرواية ، بالإضافة إلى استنتاجات كويليو للحوار الدائر بشكل عفوي جدا بين النبي ونفسه حينما جاءه خبر السماء بأن الرب سوف يتركه ليعالج الأمور وحده وليستخدم عقله وفكره دون أن يكون له الحق في استخدام أو استدعاء المعجزات والمساندات الإلهية .
هذا الصراع الوارد في العهدين القديم والجديد (الإنجيل والتوراة) بين الرب وأنبيائه والذي كنت أنظر نحوه بريبة قبل قرائتي لهذه الرواية ـ الجبل الخامس ـ وكان دائما ما يعتريني السؤال : كيف يجوز للبشر حتى وإن كان نبيا مرسلا أن يصارع الرب ؟ وكيف ينطق الكتاب المنزل من عند الله بصراعاته التي حدثت مع البشر ولقى هزيمته فيها ؟! وكيف يهزم ـ أو كما جاء بالنص ـ يصرع المخلوق خالقه ؟!
واستخلصت من اسئلتي إجابة منطقية جدا ، أن التوراة والإنجيل قد تناولهما التحريف والتبديل من قبل الكهان والرهبان ، وقد يكون هذا الصراع المذكور بالأيات من ضمن ما أتت عليه يد التحريف .
إلا أنني عندما انتهيت من قراءة "الجبل الخامس" كان قد اتضح لي صورة تفسيرية لهذا الصراع النفسي الموجود داخل أيليا النبي ، وظهرت لي من مجرى الأحداث حقيقة الأمور كما رأها كويليو ، أو كما فسرها وفق خطوط روايته ، وكما تقبلتها أنا كقارئ يبحث عن التفسيرات ولا يبحث عن الإدانة والاتهامات .
ثالثا : مقتطفات من الرواية :
@ في بداية الرواية ـ صـ 19 ، 20 ـ يتناول كويليو حوارا بين إيليا واللاوي بين أسئلة على لسان الأول وإجابات مفسرة على لسان الأخير ، ليحقق في جزء إيماني مهم ، وهو الإيمان بالمقدرات وبإرادة الله :
(1)
(( إيليا : لقد خدمت ربا يسلمني الأن إلى أعدائي .
أجابه اللاوي : الرب هو الرب . لم يخاطب موسى ليقول له ما إذا كان خيرا أو شريرا ـ قال له فقط : إنه هو الكائن ، إنه كل ما هو موجود تحت الشمس ، إنه الرعد الذي يدمر البيت ، ويد الأنسان التي تعيد بناءه . ))
(2)
(( إيليا : من يكون الرب ؟ أهو من يمسك سيف الجندي الذي يفتك بمن بقى وفيا لإيمان أبائنا ؟ أهو الذي مسح أميرة على عرش بلادنا لتنزل كل هذه المصائب بجيلنا ؟ أهو الرب الذي يقتل المؤمنين والأبرياء أتباع شريعة موسى ؟!
اللاوي : اسأل الرب من يكون ، ما دمت تشكك في قراراته . أما أنا فقد قبلت بقدري .
إيليا بإصرار : لا يمكن للرب أن يرغب في أن يفتك بنا دون رحمة )) .
@ وبعد هذا الحوار بصفحات قليلة ـ صـ 39 ـ يطرح رؤية أخرى لمن يرون الدنيا سواداً وهلاكاً فقط :
(( سأل إيليا نفسه : أو أتذكر المرأة التي كانت تصنع الخبز ؟ كان إيليا يذكرها ، جاءت إليه تسأله أن يصنع لها بعض الأطباق الخشبية . وفيما كان ينجزها ، سمعها تقول إن الرب يتجلى في عمله .
وأضافت المرأة قائلة : يكفي أن نراقب الطريقة التي نصنع بها هذا الأطباق حتى نشعر بإحساس الخالق . فأنت تبتسم وأنت تعمل .
كانت المرأة تصنف البشر فئتين : السعداء في عملهم والمتذمرين فيه ، ويؤكد المتذمرون اللعنة التي أنزلها الله بأدم حين قال له : ملعونة الأرض بسببك ، بمشقة تأكل منها طوال أيام حياتك ، ويرون فيها الحقيقة الوحيدة . هؤلاء لا يجدون لذة في عملهم ، ويسأمون أيام الأعياد ، حين يضطرون للاستراحة . ثم إنهم يستخدمون كلام الرب ذريعة لحياتهم المجدبة متجاهلين أن الرب قال أيضا لموسى : الرب إلهك يباركك على الأرض ويعطيها لك ميراثا لتملكها )) .
@ وبعدها أيضا ـ صـ 68 ـ يطرح للقارئ ما حدث من معجزة إحياء الموتى التي ظهرت على يد إيليا والتي بدلا من أن تبعث في الناس حس الإيمان بوجود إله إيليا ، إلا أنها دعمت في قلوبهم إصرارا على الإيمان ببعل ورفقته ـ ألهة الجبل الخامس ـ ، ليجد إيليا نفسه محاورا ملاكه الحارس بمنتهى العجب والاستغراب من فعل الناس ، ملتبسا عليه الشك في قدرة نفسه على بعث الإيمان في قلوب البشر :
(( عندئذ ، سمع صوت ملاكه الحارس الذي يتحاور معه منذ الطفولة .
قال الملاك لإيليا : قابلتْ اليوم ملاك الرب .
أجاب إيليا : أجل ، لكن ملائكة الرب لا تتحدث إلى البشر ، بل تكتفي بنقل أوامر الله .
أمره الملك لحارس قائلا : استعن بقدرتك .
لم يفهم إيليا ما قاله .
ـ كل ما أملكه من قدرة أت من الرب .
ـ الجميع يملكون قدرة الرب ، لكن أحدا لا يستعين بها ))
@ ثم يرسل كويليو رسالة على لسان النبي إيليا للذين فقدوا معنى الحياة ـ صـ 69 ـ :
(( بعد ظهيرة أحد الأيام ، رجع إلى المنزل قبل الموعد المعتاد ، فوجد الأرملة جالسة على العتبة .
ـ ماذا تفعلين ؟ ـ لا شيء لديَّ لأفعله .
ـ إذا اعلمي أن في هذه اللحظة أناسا كثيرين يزهدون في الدنيا ، أناسا لا يسأمون ولا يبكون ، بل يكتفون بأن يدعوا الوقت ينقضي . هؤلاء لم يواجهوا تحديات الحياة ، وهي لم تعد تتحداهم . أنت تمرين بالوضع نفسه . تحركي ، واجهي الحياة ، ولا تستسلمي أبدا .
قالت وهي تخفض نظراتها :
ـ مذ حللت بيننا اكتسبت حياتي معنى جديدا ))
@ ثم ينتقل كويليو ـ صـ 111 ـ لإبراز الصراع الدائم بين الحرب والسلام أو بين الخير والشر ، بين من يلبسون وجه الدين ويتزيون بزيه وليس هم إلا أسلحة للشيطان الذي يكتسب قوته من وجودهم في مناصبهم الدينية ، يوضح أيضا إنجذاب العامة وتعلقهم بهم لأنهم ـ أي أولئك المتدينين الزائفين ـ ينطقون باسم الدين ، حتى وإن كانوا في ذلك العصر ينتمون لألهة الجبل الخامس وهي ألهة ضلال إلا أنهم موجودون في عصرنا بشكل واضح ولكن مع الاختلاف فهم في حاضرنا ينطقون باسم الله الواحد ، إلا أنهم على نفس منهاج سابقيهم :
(( انقسم الجمهور إلى فئتين : فئة تدافع عن السلام ، وفئة تطالب بأن تقاوم أكبر (***) .
قال الحاكم للكاهن بصوت منخفض : ـ هذا الرجل تحداني علنا ، لكن أنا أيضا فعلت ذلك .
التفت الكاهن ناحيته ، وتكلم بصوت خافت حتى لا يسمعه أحد ، آمرا الحاكم بأن يقتل الأشوري فورا :
ـ لا أطلب منك بل آمرك بذلك . أنا من يمسك بزمام السلطة ، وأستطيع إنهاء هذا الوضع ساعة أشاء ، هلا فهمت ؟ هناك قرابين أخرى يمكن تقديمها إلى الألهة ، وهي قادرة على تهدئة غضبها ، حين نضطر إلى تغيير العائلة الحاكمة . ولن تكون المرة الأولى التي تتغير فيها العائلة الحاكمة . ففي مصر ، وهي إمبراطورية يرقى عهدها إلى آلاف السنين ، جرى استبدال الكثير من السلالات الحاكمة . ومع ذلك ، ظل الكون منتظما ، ولم تسقط السماء فوق رؤوسنا .
علا وجه الحاكم شحوب ملحوظ .
ـ القائد موجود وسط الجمهور برفقة قسم من جنوده . إذا بقيت مصرا على التفاوض مع هذا الرجل ، فسأبلغ الجميع أن الألهة تخلت عنك ، وستتنحى عن العرش . لذا تابع المحاكمة ، وافعل بالضبط ما طلبته منك . ))
@ ثم يعود كويليو ـ صـ 117 ، 118 ـ ليناقش ما يدور في صدر النبي إيليا بعدما حدث أمام عينيه من موت رجل لم يستطع التدخل لإنقاذه ، ودارت في نفسه الشكوك مرة أخرى ، عن جدوى النبوة والرسالة التي بعث بها ، عن عجزه إيقاف الشر الذي يراه يسيطر ويكبر يوما بعد الأخر :
(1)
(( لم يرجع إيليا إلى الأرملة في ذلك اليوم ، بل سار على غير هدى في الصحراء .
قال للنباتات والصخور :
ـ لم يفعل الرب شيئا ، في حين أنه كان قادرا على التدخل .
كان نادما على قراره . واعتبر نفسه مرة أخرى مسئولا عن موت أحد الرجال . ))
(2)
(( شعر إيليا في هذه اللحظة ، التي كان يتجول خلالها في الوادي ، بالرغبة في أن يكون شخصا للأخرين ، لم يستمع قط إلى صوت الرب ، ولا إلى ملائكته .
لكن الحياة ليست سلسلة من الرغبات ، بل هي تحقيق أفعال كل شخص . تذكر إيليا أنه حاول عدة مرات أن يتخلى عن مهمته ، ومع ذلك فهو هنا في هذا الوادي لأن الرب طلب منه ذلك .
ـ " يا رب ، كان في استطاعتي أن أكون نجارا وأخدم مشاريعك " ))
(3)
(( قال إيليا : لم يعد لدي شيء أفعله هنا ، فمتى أعود إلى إسرائيل ؟
أجاب الملاك : حين تتعلم كيف تبني من جديد . تذكر ما قاله الرب لموسى قبل القتال . واستفد من كل لحظة ، إن كنت لا تريد الندم فيما بعد ، والتأسف على شبابك الذي ضاع سدى . فالرب يجعل لكل عمر همومه الخاصة به . ))
@ ويضع كويليو لنا ـ صـ 181 ، 182 ـ حكمة لمن تملكه اليأس من الحياة والمقدرات ومن فقد الدليل والإرادة لما واجهه من الصعاب ، حيث يقابل إيليا الراعي الذي يعلمه ذلك :
(( فأردف الراعي :
ليس صعبا إعادة خلق الحياة ، كما ليس مستحيلا إعادة إنهاض أكبر من بين أنقاضها . ويكفي لذلك أن ندرك أن لدينا القوة نفسها التي كنا نملكها في السابق ، وأ ن نستغلها لصالحنا .
نظر الرجل إلى إيليا مباشرة ، وقال :
إذا كان لديك ماضٍ ولم تكن راضيا عنه ، إنسه الأن . تخيل قصة جديدة لحياتك وأمن بها . أحصر اهتمامك فقط باللحظات التي وفقت فيها للحصول على ما تشتهيه . وهذه القوة تساعدك على نيل ما تريد ))
@ ويظل كويليو يرسم تصاعد الصراع ـ صـ 185،186 ـ واستمرار الشكوك واليأس في قلب إيليا حتى يرينا عبر حوار النبي مع رفيقه الصبي أو مع نفسه ذاك اليأس المحيط به من وجود قدرته كنبي ، ومن توفيق الله له ، لأن الله تركه يواجه الحرب والخراب وحده دون أن يسانده ، وتخلى عنه في وقت محنته :
(1)
(( قال الصبي : الرب الذي أعادني من الموت لا يزال حيا ، ويستطيع أن يعيد أمي إلى الحياة ، إذا أعدت المدينة إلى الحياة .
ـ إنس هذا الإله . إنه بعيد ، وهو لا يحقق المعجزات التي نتوقعها منه ))
(2)
(( قال إيليا متكلما لغة بلاده كي لا يفهم الطفل معنى كلامه :
ـ لديك كل قوة العالم والنجوم . تستطيع هدم مدينة وبلاد ، كما تسحق حشرة . أنزل إذا نار السموات ، وضع حدا لأيامي الأن وإلا عملت ضد إرادتك )) .
@ وحين يقترب كويليو من نهاية روايته ـ صـ 205 ـ يكون قد أظهر لنا حقيقة الصراع بين إيليا وربه مسترجعا صراع يعقوب أو إسرائيل المذكور بالكتاب المقدس ليعطينا الدرس من وجود هذا الصراع الحتمي لوجود قوة البشر على معالجة المشكلات وإيجاد الحلول لتكون أخيرا هي مشيئة الرب :
(( نهض إيليا وصلى قائلا :
"صارعتك يا رب ولست بخجل لاكتشافي أنني أمشي في طريقي التي اخترتها ، لا لأن هذه الطريق فرضهاعلي أهلي أو تقاليد بلادي أو أنت نفسك .
إليك يا رب أتوق إلى العودة الأن . وأريد أن أعطيك كل ما في إرادتي من قوة . وليس جبانا ذلك الذي لم يكن قادرا على سلوك طريق مختلف . لكن ، لكي تعهد إلي بمهمتك الجليلة ، عليّ أن أواصل هذه المعركة ضدك ، وأصارعك حتى تباركني ".
كانت إعادة بناء أكبر هي التحدي الذي ارتضى إيليا أن يواجه الله به ، وهي أيضا اللقاء المستعاد بالله ))
@ صـ 212 :
(( وسأحاربك حتى تباركني وتبارك ثمار عملي . ذات يوم ستستجب لي . ))
@ وينهي كويليو روايته أخيرا ، بانتصار إيليا على صراعه الداخلي وعلى قوى اليأس والشكوك ، ويتأكد مباركة الله له ـ صـ 229 ـ ليكلفه بالمهمة التي طالما أرادها وتمناها :
(( كان كلام الربإلى إيليا في السنة الثالثة ، هو :
"امض وتراء لأحاب فأتي بمطرعلى وجه الأرض" ))
..............................
هامش :
ـ يعتمد باولو كويليو على مرجعية دينية يستند عليها وتظهر في إلقائه للقارئ بعض أيات من التوراة والإنجيل طوال صفحات رواياته .
ـ يركز كويليو دائما على الصراعات النفسية التي تحدث داخل الإنسان الباحث عن هوية حقيقية في عالمه ، ذلك الإنسان المحاط بصعوبات وإضطرابات تحدث نتيجة الإرادة السلبية فيه ، أو نتيجة ما يحايط به من شخوص وأشياء وأحداث وقوى خارجية .
ـ دائما ما يسري في أبطاله الموجودين داخل رواياته أسرارا مكتومة وأنوارا مختفية داخل أنفسهم ، لا تظهر إلا إذا تنبه لها بطل الرواية وبحث عنها ، حتى عندما استخدم البطل " النبي " والذي ينبغي أن يكون مؤيدا من قبل الرب بمعجزات تيسر له العصيب من الأمور ، وتذلل له الصعاب ، كان هناك طوال الوقت مواقفا ينبغي فيها على النبي أن يستخدم بشريته وأفكاره وعقله دون مساعدة المدد المرسل من الرب المتمثل في صورة الملاك .
ـ يعتمد كويليو في أغلب رواياته التي قرأتها (*)على ذكر بعض أبطاله الموجودين في روايات أخرى له ، وكأنه يريد أن يكون لقارئه الخاص به خلفية لا تكتمل إلا بقراءة باقي الروايات الأخرى ، ليرسم صورة كلية غير الصورة الجزئية المكتملة في مخيلة القارئ العادي الذي لم يقرأ باقي رواياته ، ويجدر الإشارة أن اعتماده على ذكر أجزاء أو أبطال من روايات أخرى له في خضم الأحداث الموجودة بإحدى الروايات لم تخل بالمحتوى العام لها وكذلك لم يخل بالاحداث إن استقطعنا هذا الجزء المرجعي المأخوذ من إحدى رواياته .
ـ على الأغلب فإن الهدف الذي يبعثه كويليو في نفوس قارئيه عبر رواياته هو هدف مكرر ورسالة معلومة للجميع من قبل ، إلا أن هذا لم ينزع من رواياته جميعا الروح التي تبقيك مندهشا ومتتبعا ومشتاقا لمعرفة مجرى الأحداث والتفاصيل من البداية للنهاية .
ثانيا : لماذا اخترت الحديث عن رواية الجبل الخامس (**) دون باقي الروايات الأخرى ؟
على الرغم من إعجابي بكتابات باولو كويليو الروائية جميعها ، إلا أن أشد ما أثار إعجابي برواية الجبل الخامس هو اختيار كويليو لبطل الرواية تحديدا ، حيث تناول كويليو الجزء البشري الخالص للنبي (إيليا) بصورة عميقة جدا فسرت لدي بعض الأمور التي تغيب عنا في واقعنا الحاضر من حيث مفهوم النبي ، خاصة من الناحية ووجهة النظر الدينية البحتة ، التي تنظر للأنبياء جميعا بشيء عظيم من الوقار والعلو مما يمتنع معه البحث في تفصيلات حياتهم بشكل يؤهلك لاستخلاص نتائج منطقية تجدي للتطبيق على أرض الواقع الإجتماعي المحيط .
وبناء عليه فإن ما أثاره كويليو من وجود الصراع الربوبي البشري والمكرر دائما طوال أحداث الرواية ، بالإضافة إلى استنتاجات كويليو للحوار الدائر بشكل عفوي جدا بين النبي ونفسه حينما جاءه خبر السماء بأن الرب سوف يتركه ليعالج الأمور وحده وليستخدم عقله وفكره دون أن يكون له الحق في استخدام أو استدعاء المعجزات والمساندات الإلهية .
هذا الصراع الوارد في العهدين القديم والجديد (الإنجيل والتوراة) بين الرب وأنبيائه والذي كنت أنظر نحوه بريبة قبل قرائتي لهذه الرواية ـ الجبل الخامس ـ وكان دائما ما يعتريني السؤال : كيف يجوز للبشر حتى وإن كان نبيا مرسلا أن يصارع الرب ؟ وكيف ينطق الكتاب المنزل من عند الله بصراعاته التي حدثت مع البشر ولقى هزيمته فيها ؟! وكيف يهزم ـ أو كما جاء بالنص ـ يصرع المخلوق خالقه ؟!
واستخلصت من اسئلتي إجابة منطقية جدا ، أن التوراة والإنجيل قد تناولهما التحريف والتبديل من قبل الكهان والرهبان ، وقد يكون هذا الصراع المذكور بالأيات من ضمن ما أتت عليه يد التحريف .
إلا أنني عندما انتهيت من قراءة "الجبل الخامس" كان قد اتضح لي صورة تفسيرية لهذا الصراع النفسي الموجود داخل أيليا النبي ، وظهرت لي من مجرى الأحداث حقيقة الأمور كما رأها كويليو ، أو كما فسرها وفق خطوط روايته ، وكما تقبلتها أنا كقارئ يبحث عن التفسيرات ولا يبحث عن الإدانة والاتهامات .
ثالثا : مقتطفات من الرواية :
@ في بداية الرواية ـ صـ 19 ، 20 ـ يتناول كويليو حوارا بين إيليا واللاوي بين أسئلة على لسان الأول وإجابات مفسرة على لسان الأخير ، ليحقق في جزء إيماني مهم ، وهو الإيمان بالمقدرات وبإرادة الله :
(1)
(( إيليا : لقد خدمت ربا يسلمني الأن إلى أعدائي .
أجابه اللاوي : الرب هو الرب . لم يخاطب موسى ليقول له ما إذا كان خيرا أو شريرا ـ قال له فقط : إنه هو الكائن ، إنه كل ما هو موجود تحت الشمس ، إنه الرعد الذي يدمر البيت ، ويد الأنسان التي تعيد بناءه . ))
(2)
(( إيليا : من يكون الرب ؟ أهو من يمسك سيف الجندي الذي يفتك بمن بقى وفيا لإيمان أبائنا ؟ أهو الذي مسح أميرة على عرش بلادنا لتنزل كل هذه المصائب بجيلنا ؟ أهو الرب الذي يقتل المؤمنين والأبرياء أتباع شريعة موسى ؟!
اللاوي : اسأل الرب من يكون ، ما دمت تشكك في قراراته . أما أنا فقد قبلت بقدري .
إيليا بإصرار : لا يمكن للرب أن يرغب في أن يفتك بنا دون رحمة )) .
@ وبعد هذا الحوار بصفحات قليلة ـ صـ 39 ـ يطرح رؤية أخرى لمن يرون الدنيا سواداً وهلاكاً فقط :
(( سأل إيليا نفسه : أو أتذكر المرأة التي كانت تصنع الخبز ؟ كان إيليا يذكرها ، جاءت إليه تسأله أن يصنع لها بعض الأطباق الخشبية . وفيما كان ينجزها ، سمعها تقول إن الرب يتجلى في عمله .
وأضافت المرأة قائلة : يكفي أن نراقب الطريقة التي نصنع بها هذا الأطباق حتى نشعر بإحساس الخالق . فأنت تبتسم وأنت تعمل .
كانت المرأة تصنف البشر فئتين : السعداء في عملهم والمتذمرين فيه ، ويؤكد المتذمرون اللعنة التي أنزلها الله بأدم حين قال له : ملعونة الأرض بسببك ، بمشقة تأكل منها طوال أيام حياتك ، ويرون فيها الحقيقة الوحيدة . هؤلاء لا يجدون لذة في عملهم ، ويسأمون أيام الأعياد ، حين يضطرون للاستراحة . ثم إنهم يستخدمون كلام الرب ذريعة لحياتهم المجدبة متجاهلين أن الرب قال أيضا لموسى : الرب إلهك يباركك على الأرض ويعطيها لك ميراثا لتملكها )) .
@ وبعدها أيضا ـ صـ 68 ـ يطرح للقارئ ما حدث من معجزة إحياء الموتى التي ظهرت على يد إيليا والتي بدلا من أن تبعث في الناس حس الإيمان بوجود إله إيليا ، إلا أنها دعمت في قلوبهم إصرارا على الإيمان ببعل ورفقته ـ ألهة الجبل الخامس ـ ، ليجد إيليا نفسه محاورا ملاكه الحارس بمنتهى العجب والاستغراب من فعل الناس ، ملتبسا عليه الشك في قدرة نفسه على بعث الإيمان في قلوب البشر :
(( عندئذ ، سمع صوت ملاكه الحارس الذي يتحاور معه منذ الطفولة .
قال الملاك لإيليا : قابلتْ اليوم ملاك الرب .
أجاب إيليا : أجل ، لكن ملائكة الرب لا تتحدث إلى البشر ، بل تكتفي بنقل أوامر الله .
أمره الملك لحارس قائلا : استعن بقدرتك .
لم يفهم إيليا ما قاله .
ـ كل ما أملكه من قدرة أت من الرب .
ـ الجميع يملكون قدرة الرب ، لكن أحدا لا يستعين بها ))
@ ثم يرسل كويليو رسالة على لسان النبي إيليا للذين فقدوا معنى الحياة ـ صـ 69 ـ :
(( بعد ظهيرة أحد الأيام ، رجع إلى المنزل قبل الموعد المعتاد ، فوجد الأرملة جالسة على العتبة .
ـ ماذا تفعلين ؟ ـ لا شيء لديَّ لأفعله .
ـ إذا اعلمي أن في هذه اللحظة أناسا كثيرين يزهدون في الدنيا ، أناسا لا يسأمون ولا يبكون ، بل يكتفون بأن يدعوا الوقت ينقضي . هؤلاء لم يواجهوا تحديات الحياة ، وهي لم تعد تتحداهم . أنت تمرين بالوضع نفسه . تحركي ، واجهي الحياة ، ولا تستسلمي أبدا .
قالت وهي تخفض نظراتها :
ـ مذ حللت بيننا اكتسبت حياتي معنى جديدا ))
@ ثم ينتقل كويليو ـ صـ 111 ـ لإبراز الصراع الدائم بين الحرب والسلام أو بين الخير والشر ، بين من يلبسون وجه الدين ويتزيون بزيه وليس هم إلا أسلحة للشيطان الذي يكتسب قوته من وجودهم في مناصبهم الدينية ، يوضح أيضا إنجذاب العامة وتعلقهم بهم لأنهم ـ أي أولئك المتدينين الزائفين ـ ينطقون باسم الدين ، حتى وإن كانوا في ذلك العصر ينتمون لألهة الجبل الخامس وهي ألهة ضلال إلا أنهم موجودون في عصرنا بشكل واضح ولكن مع الاختلاف فهم في حاضرنا ينطقون باسم الله الواحد ، إلا أنهم على نفس منهاج سابقيهم :
(( انقسم الجمهور إلى فئتين : فئة تدافع عن السلام ، وفئة تطالب بأن تقاوم أكبر (***) .
قال الحاكم للكاهن بصوت منخفض : ـ هذا الرجل تحداني علنا ، لكن أنا أيضا فعلت ذلك .
التفت الكاهن ناحيته ، وتكلم بصوت خافت حتى لا يسمعه أحد ، آمرا الحاكم بأن يقتل الأشوري فورا :
ـ لا أطلب منك بل آمرك بذلك . أنا من يمسك بزمام السلطة ، وأستطيع إنهاء هذا الوضع ساعة أشاء ، هلا فهمت ؟ هناك قرابين أخرى يمكن تقديمها إلى الألهة ، وهي قادرة على تهدئة غضبها ، حين نضطر إلى تغيير العائلة الحاكمة . ولن تكون المرة الأولى التي تتغير فيها العائلة الحاكمة . ففي مصر ، وهي إمبراطورية يرقى عهدها إلى آلاف السنين ، جرى استبدال الكثير من السلالات الحاكمة . ومع ذلك ، ظل الكون منتظما ، ولم تسقط السماء فوق رؤوسنا .
علا وجه الحاكم شحوب ملحوظ .
ـ القائد موجود وسط الجمهور برفقة قسم من جنوده . إذا بقيت مصرا على التفاوض مع هذا الرجل ، فسأبلغ الجميع أن الألهة تخلت عنك ، وستتنحى عن العرش . لذا تابع المحاكمة ، وافعل بالضبط ما طلبته منك . ))
@ ثم يعود كويليو ـ صـ 117 ، 118 ـ ليناقش ما يدور في صدر النبي إيليا بعدما حدث أمام عينيه من موت رجل لم يستطع التدخل لإنقاذه ، ودارت في نفسه الشكوك مرة أخرى ، عن جدوى النبوة والرسالة التي بعث بها ، عن عجزه إيقاف الشر الذي يراه يسيطر ويكبر يوما بعد الأخر :
(1)
(( لم يرجع إيليا إلى الأرملة في ذلك اليوم ، بل سار على غير هدى في الصحراء .
قال للنباتات والصخور :
ـ لم يفعل الرب شيئا ، في حين أنه كان قادرا على التدخل .
كان نادما على قراره . واعتبر نفسه مرة أخرى مسئولا عن موت أحد الرجال . ))
(2)
(( شعر إيليا في هذه اللحظة ، التي كان يتجول خلالها في الوادي ، بالرغبة في أن يكون شخصا للأخرين ، لم يستمع قط إلى صوت الرب ، ولا إلى ملائكته .
لكن الحياة ليست سلسلة من الرغبات ، بل هي تحقيق أفعال كل شخص . تذكر إيليا أنه حاول عدة مرات أن يتخلى عن مهمته ، ومع ذلك فهو هنا في هذا الوادي لأن الرب طلب منه ذلك .
ـ " يا رب ، كان في استطاعتي أن أكون نجارا وأخدم مشاريعك " ))
(3)
(( قال إيليا : لم يعد لدي شيء أفعله هنا ، فمتى أعود إلى إسرائيل ؟
أجاب الملاك : حين تتعلم كيف تبني من جديد . تذكر ما قاله الرب لموسى قبل القتال . واستفد من كل لحظة ، إن كنت لا تريد الندم فيما بعد ، والتأسف على شبابك الذي ضاع سدى . فالرب يجعل لكل عمر همومه الخاصة به . ))
@ ويضع كويليو لنا ـ صـ 181 ، 182 ـ حكمة لمن تملكه اليأس من الحياة والمقدرات ومن فقد الدليل والإرادة لما واجهه من الصعاب ، حيث يقابل إيليا الراعي الذي يعلمه ذلك :
(( فأردف الراعي :
ليس صعبا إعادة خلق الحياة ، كما ليس مستحيلا إعادة إنهاض أكبر من بين أنقاضها . ويكفي لذلك أن ندرك أن لدينا القوة نفسها التي كنا نملكها في السابق ، وأ ن نستغلها لصالحنا .
نظر الرجل إلى إيليا مباشرة ، وقال :
إذا كان لديك ماضٍ ولم تكن راضيا عنه ، إنسه الأن . تخيل قصة جديدة لحياتك وأمن بها . أحصر اهتمامك فقط باللحظات التي وفقت فيها للحصول على ما تشتهيه . وهذه القوة تساعدك على نيل ما تريد ))
@ ويظل كويليو يرسم تصاعد الصراع ـ صـ 185،186 ـ واستمرار الشكوك واليأس في قلب إيليا حتى يرينا عبر حوار النبي مع رفيقه الصبي أو مع نفسه ذاك اليأس المحيط به من وجود قدرته كنبي ، ومن توفيق الله له ، لأن الله تركه يواجه الحرب والخراب وحده دون أن يسانده ، وتخلى عنه في وقت محنته :
(1)
(( قال الصبي : الرب الذي أعادني من الموت لا يزال حيا ، ويستطيع أن يعيد أمي إلى الحياة ، إذا أعدت المدينة إلى الحياة .
ـ إنس هذا الإله . إنه بعيد ، وهو لا يحقق المعجزات التي نتوقعها منه ))
(2)
(( قال إيليا متكلما لغة بلاده كي لا يفهم الطفل معنى كلامه :
ـ لديك كل قوة العالم والنجوم . تستطيع هدم مدينة وبلاد ، كما تسحق حشرة . أنزل إذا نار السموات ، وضع حدا لأيامي الأن وإلا عملت ضد إرادتك )) .
@ وحين يقترب كويليو من نهاية روايته ـ صـ 205 ـ يكون قد أظهر لنا حقيقة الصراع بين إيليا وربه مسترجعا صراع يعقوب أو إسرائيل المذكور بالكتاب المقدس ليعطينا الدرس من وجود هذا الصراع الحتمي لوجود قوة البشر على معالجة المشكلات وإيجاد الحلول لتكون أخيرا هي مشيئة الرب :
(( نهض إيليا وصلى قائلا :
"صارعتك يا رب ولست بخجل لاكتشافي أنني أمشي في طريقي التي اخترتها ، لا لأن هذه الطريق فرضهاعلي أهلي أو تقاليد بلادي أو أنت نفسك .
إليك يا رب أتوق إلى العودة الأن . وأريد أن أعطيك كل ما في إرادتي من قوة . وليس جبانا ذلك الذي لم يكن قادرا على سلوك طريق مختلف . لكن ، لكي تعهد إلي بمهمتك الجليلة ، عليّ أن أواصل هذه المعركة ضدك ، وأصارعك حتى تباركني ".
كانت إعادة بناء أكبر هي التحدي الذي ارتضى إيليا أن يواجه الله به ، وهي أيضا اللقاء المستعاد بالله ))
@ صـ 212 :
(( وسأحاربك حتى تباركني وتبارك ثمار عملي . ذات يوم ستستجب لي . ))
@ وينهي كويليو روايته أخيرا ، بانتصار إيليا على صراعه الداخلي وعلى قوى اليأس والشكوك ، ويتأكد مباركة الله له ـ صـ 229 ـ ليكلفه بالمهمة التي طالما أرادها وتمناها :
(( كان كلام الربإلى إيليا في السنة الثالثة ، هو :
"امض وتراء لأحاب فأتي بمطرعلى وجه الأرض" ))
..............................
هامش :
(*) الخيميائي ، الشيطان والأنسة بريم ، أحد عشر دقيقة ، ساحرة بورتوبيلا
(**) الطبعة الثانية 2003 ـ شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ـ ترجمة: ماريا طوق ، تدقيق لغوي : روحي طعمة
(***) أكبر : إحدى مدن الشام المذكورة بالرواية التي وقعت بها أغلب أحداثها
(**) الطبعة الثانية 2003 ـ شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ـ ترجمة: ماريا طوق ، تدقيق لغوي : روحي طعمة
(***) أكبر : إحدى مدن الشام المذكورة بالرواية التي وقعت بها أغلب أحداثها
الخميس، 14 يناير 2010
جرد وتصفية

- أ ـ إجمع كل نفايات أحاسيسك المستهلكة ، وأرم بها في وجه العبث والشك والحيرة ، ولاتنس أن تراهن على تجديد إقامتك داخل وطنك الغريب عن ميولك وإهتماماتك المفخخة ، لا تستند على حوائط مائلة أو على جدران مهدمة فلن تجد غير الميل والزلل والخطيئة .
- ب ـ إطرح كل همومك جانبا ، إطرح عنك معوقاتك ورهاناتك الخاسرة ، واستسلم للصفاء والنقاء والطهر . علم نفسك كيف ترتقي وتترفع ، لتكون الحياة بك أروع وأمتع .
- ج ـ إضرب بعصاك بحر المعوقات ، لينفلق أمامك ولينفرج عن إبتسامة شمسك الضحوك ، رغما عن كل المحيطين الأثمين ، رغما عن كل الشغوفين بانزلاقك وبتتبع مأساتك ، وابتع من حلاوة الصيف ما تحتاج به للقاء مرارة الشتاء .
- د ـ إقسم ما وجدت من الأحزان على ما تراقص حواليك من أفراح ، ولون كل سوادات أيامك ببياض قلبك الحالم بالهدوء ، واعلن على الملأ أنك رهن التجديدات ، وأنك مغلق لتنفيذ الإصلاحات .
السبت، 26 ديسمبر 2009
الخميس، 5 نوفمبر 2009
لحظة مشكوك فيها

تظهر التجاعيد بوضوح عندما تختفي البسمات من الشفاه التي ظلت تغطي الكذب الخارج من الجوف الخاوي بدون أن تعطي الفرصة لأن تدخل في مرحلة التوبة والغفران ، لأنها كانت توقن أنها بعيدة كل البعد عن نولهما .
كل يوم يعاود في الظهور خط جديد من الخطوط المحفورة بكل ثقة وثبات ، لا يهدر الزمن فيها أي استقرار .. بل يؤكد على وضوح مسيرتها على الجلد العابس المتراخي .
يحز في النفس احيانا عدم استطاعتها على تغيير المستقر بفعل الدهر ، لكنها لا تلبث أن تعتلي توجهاتها حبها لأن تكون على ظاهر السطح ، وليس بداخل العمق العميق .
أيكم يحار في تلبية مطالبها .. ليكون ذا شرود وهمة منتقصة وصاحب شتات عالق بالذهن المفتت من عسر هضم الافكار العشوائية .
نقطة ومن أول السطر .. يعني أنه سيبدأ بداية جديدة بصفحة بيضاء لا يشوبها غير ما شطب عليه من سطور نالها بسبب حظ قلمه العاثر المتشكك ذو السن المكسور دائما .
هي لوحة قديمة كان قد رسمها وفشل في إنهاء تشكيلاتها لانعدام فرصة خلط ألون جديدة حيث أنه لم يتبقى في جيبه من النقود ما يؤهله أن يرحم توسلات نظرات ضميره تجاه ما أغفله فيها .
أه لو يعاود الكره مرة أخرى .. بحق لن يجد أسعد من تلك اللحظات ، لكنه كان قد فات قطار الوقت دون رجعة ودون أن يحظى بتذكرة الركوب فيه رغم ما دفعه من عمره ليكون من المحظوظين أصحاب السعادة .
سيستمر ... نعم سيستمر .. لكن استمراره الأن غير مجدٍ في ظل غياب الروح الهادئة ، والقلب ما يزال فيه من الغصة ما يكفي لحمل أكفانه على يديه ، ليس ليفتدي نفسه بل ليلقي بها مع زمرة الضائعين .
يا صاحب السر .. أين السر ؟ .. إعطينيه .. أرجوك .. لا تبخل به علي .. فأنا عندي من الأذان ما يكفي لسماعك .. ولدي من الجفاف ما يشتاق لطيب ماءك .. وليس لي صاحبة ولا صحبة ولا أولاد كي أفشي به لهم .
حتى وإن أفشيت للغرباء .. فكن على ثقة أنهم لن يسمعونني .. سيصكون أسماعهم عني .. سيغلقون كل أبوابهم المفتوحة في وجهي .. سيرفضون كل ما أقول كما رفضوا كل ما قلت .. سيأتون لي بالتابوت إن أرغمتهم على النظر إلي أيضا .. سيرغمونني على النوم فيه ، وسيغلقونه علي بإحكام شديد كي لا أخرج ثانية .
كن على ثقة من إنني أعرف مصيري جيدا ، نعم أعرفه ويعرفني هو أيضا . فلقد تلاقينا مرارا لكنه كان دائما ما ينفك يخفي ذعره مني ، رغم علمه اليقيني أنني شديد الرهبة منه .
يخلع في هذه اللحظة كل ملابسه يلقي بكل أغراضه في نار مدفأته ليحصل على الدفء الحسي ، فكل ما بداخله بارد وكل ما عليه شديد البرودة .
يتجرد من كل شيء .. ومن كل اللا شيء .. عله يصبح شيئا .. عله يصبح فتات شيء عالق بشيء مفتت .
ترى عينيه ضجيج اللهب وتتفتح أحداقه كلما زودها بالأشياء التي كانت تخصه في وقت سابق كان فيه أرجوحة طفل لا يسعدها غير أن تجد من يهزها .
كان في هذا الوقت السالف أيضا خاتما دوارا بين اصبع حلمه البعيد الذي لم يتحقق أيا من تفصيلاته الشائكة .
هل كان الكون يتجسس عليه ، ويرقب أن يتخلى عن دور الكومبارس ليعيش دور الفاعل الأصلي ؟ أم أن اللحظة التي كانت لديه والتي بالغ في إهمال حقيقتها دارت عليه كما دارت الأيام لتهاجم فيه نقائصه وغرائزه .
( كـ ـ و ـ ن ) ... عالم بطعم الملح ، التراب ، الصبار .. مذاق مؤذي جدا ، ضار جدا ، لكنه ليس أمامه مفر ، ليس خلفه مهرب ، في الحقيقة ليس لديه أي مذاق أخر يرى أنه يحق له أن يستطعمه .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)