عندما كنت بالجامعة ـ والله كانت أيام لذيذة ـ في السنة الرابعة والاخيرة لي بكلية الحقوق ، تم التنويه والاشعار بجميع مكاتب رعاية الشباب بالكليات المختلفة على طرح مسابقة أدبية في جميع فنون الكتابة من شعر وقصة وزجل يكون مضمون وموضوع النص الأدبي المكتوب : (( في حب مصر )) تمهيدا لاختيار الفائزين لإشراكهم في أسبوع شباب الجامعات السادس .
وحيث انني كنت قد تنبهت مؤخرا أيام دراستي بوجود العديد من الانشطة الجامعية والتي ينظمها الطلاب أنفسهم دون تدخل من جهات الإدارة إلا بالدعم المالي المطلوب ، فكانت تتم المهرجانات الادبية والثقافية والادبية على أعلى مستوى من التنظيم والمشاركة الفعالة ، ولم يكن يفسد حلاوة وجمال تلك اللقاءات والندوات والمهرجانات إلا حضور الموظفين وتدخلهم بحثا عن لقمة العيش أو ـ السبوبة ـ وكان هذا أكثر ما يضايقني ويثير غضبي .
عموما دأبت أنا على الاشتراك في مثل هذه الانشطة وحظيت بالعديد من الجوائز وشهادات التقدير ، والأجمل أنني حظيت بصحبة جميلة من الشباب الموهوب الصاعد والذي يمتلك كافة شروط النجاح ، فكنا فريقا دون قصد منا يشمل جميع أنواع المواهب ، فكان منا الشعراء بالفصحى والعامية والزجل والمطربين والعازفين ، وكل متقن لما وهبه الله له .
وتصادف لي أن أعرف بخبر المسابقة الأدبية المؤهلة للإشتراك بأسبوع شباب الجامعات ، فعزمت على الإشتراك إلا إنني قد ترددت كثيرا عندما علمت بان موضوع المسابقة (( حب مصر )) .
والسؤال هنا .. لماذا ترددت ؟!
ترددت لأنني أكره طريقة الإحتراف في الكتابة الادبية .. بمعنى أنه كلما كان الموضوع أو الفكرة التي يؤسس عليها الأديب كتابته نابعة منه كلما كانت أكثر وصولا للاخرين ، لأنها أولا أو أخرا مشاعر منقولة من مكنون نفس الأديب إلى الورق ثم إلى القارئ .
ناهيك عن فكرة هذا الموضوع والتي هي حب مصر ، مصر التي لم نشعر بحبها ، فكيف ننقل نحن حبنا لها ؟!
وكنت أفضل كل كتابتي وشعري ساعتها أن يكون بالفصحى لأنني كنت أجيد إخراج ما في نفسي بها أكثر من العامية أو من الممكن القول بانني لم أحاول كتابة شعري بالعامية قبل ذلك الوقت .
واستقر في نفسي المشاركة في هذا المضمار إلا أنني وجدت نفسي لا أحب مصر بالفصحى .
نعم ... لم يخرج أي شعور لدي تجاه مصر بالحب شعرا بالفصحى ، لم ترض لغتي العربية التي أعرفها أن تصف حب مصر .
فعدلت عن فصاحة لغتي إلى عاميتها وزجلها لكي أعبر عن حب مصر واستحضرت قول أحمد فؤاد نجم :
كل عين تعشق حليوة
وإنتي حلوه ف كل عين
يا حبيبتي قلبي عاشق
واسمحي لي بكلمتين
كلمتين يا مصر يمكن
هما آخر كلمتين
حد ضامن يمشي آمن
أو مآمن يمشي فين
ووصلت إلى ما كتبت بعد ما قطعت كثيرا من الورق وكثيرا من المشاعر الكاذبة التي لم أحس بها قط .
ودخلت المسابقة وتم اختياري من ضمن مجموعة المتسابقين أنا وأخر ، فقد اختاروا اثنين من المشتركين بالفصحى وأخرين بالعامية على مستوى الجامعة .
وتم اشراكنا في فاعليات الأسبوع السادس للجامعات ، ونال زميلي المشتركان في مسابقة الشعر بالفصحى بالمركز الأول والثالث ، ولم نحظى أنا وزميلي في المسابقة بالعامية بأي شيء .
مما أضاف عندي من أسباب عدم الوقوع في غرام مصر سببا جديدا ساظل أذكرها به طوال حياتي ، فهي التي أفقدتني شعري وأفقدتني واقعيته وأفقدتني إحساسي بالمعنى الذي أكتبه ، لأنني كتبت في شأنها ولها .